كانط والبراهين اللاهوتية - بطلان الحجة على عدم وجود الكائن الواجب

 


مع أن وجود الله حقيقة، وهو سجية الفطرة السليمة، إلا أن هناك من يحتاج من البشر إلى إعانة على فهم هذه الحقيقة. وقد قام العلماء قديما وحديثا على إثبات هذه الحقيقة من خلال التدليل عليها بالأدلة والبراهين والحجج القوية، وعلى الرغم من جهودهم، فقد حكم على العديد من هذه الأدلة الناشئة بالنقصان حين تم إخضاعها للتدقيق الفلسفي المعاصر.


ولكن يبدو لي أن أعوام الستينيات وأوائل السبعينيات قد شهدت تجدد اهتمام الفلاسفة بالأدلة اللاهوتية كما يتّضح من عدد المؤلّفات الرفيعة المنشورة في هذا الميدان.

في النقد الكانتي لموضوع بحثنا، يُثبِت كانط ، الذي كان هو نفسه مؤمنًا، على نحوٍ هادِم أن البراهين الفلسفية على وجود الإله غير صحيحة؛ ومن ثَمَّ فالدِّين يجب أن يكون مسألةَ إيمانٍ لا معرفة.

فأي قيمة بعد لتلك الأسئلة «الكبيرة» عن معنى الحياة ؟

ترجع صرامة بعض ما توجَّبَ على كانط أن يقدِّمه هنا إلى القيود التي لاحظناها، ويُعَدُّ النقد الثاني وكتاب «أساس ميتافيزيقا الأخلاق» محاولتين لإعطاء أساس للأخلاق دون الاحتكام إلى السلطة الإلهية. وليس بالضرورة أن يكون الاعتقادُ الذي لا يزال شائعًا بأن الأخلاق تحتاج أساسًا مطلقًا من النوع الذي يقدِّمه علم اللاهوت؛ مقنعًا.

ولعل كل ما يحتاج إليه المرء من دافع للتصرُّف بأخلاقية هو إدراك أن الآخَرين يمكن أن يعانوا مثلما يعاني. ورغم ذلك، يظل كانت مهتمًّا بإعطاء تبرير حاسِم للمعايير التي يستخدمها المرء للحُكْم على ما ينبغي أن يفعله؛ لأسبابٍ أهمها أنه يرى ضرورة الحصول على طرق لتبرير العقوبات القانونية على الذين لا يطيعون أمر التصرُّف على نحوٍ أخلاقي. والشيء المذهل فيما يقترحه هو أنه لا ينطوي على وصايا أخلاقية ملموسة.

وتبرز أهمية هذا الموضوع في أن الاحتجاج على وجود الخالق أمر وموضوع مهم بالنسبة للبشر في هذا الكون الفسيح، فمن خلال معرفة الله والوصول إليه يتمكن هؤلاء البشر من رسم خارطة الحياة التي سيعيشون عليها بنور الخالق الذي وهبهم هذا الوجود.. وهذا ما يتضمنه البحث في ثناياه .

التعريف بالفيلسوف

إيمانويل كانت أو إيمانويل كانط (بالألمانية: Immanuel Kant) هو فيلسوف ألماني من القرن الثامن عشر (1724 - 1804). عاش حياته كلها في مدينة كونيغسبرغ في مملكة بروسيا. كان آخر الفلاسفة المؤثرين في الثقافة الأوروبية الحديثة. وأحد أهم الفلاسفة الذين كتبوا في نظرية المعرفة الكلاسيكية. كان إيمانويل كانت آخر فلاسفة عصر التنوير الذي بدأ بالمفكرين البريطانيين جون لوك وجورج بيركلي وديفيد هيوم.

طرح إيمانويل كانت منظورا جديدا في الفلسفة أثر ولا زال يؤثر في الفلسفة الأوربية حتى الآن أي أن تأثيره امتد منذ القرن الثامن عشر حتى القرن الحادي والعشرين. نشر أعمالا هامة وأساسية عن نظرية المعرفة وأعمالا أخرى متعلقة بالدين وأخرى عن القانون والتاريخ.

أما أكثر أعماله شهرة فهو كتابه نقد العقل المجرد الذي نشره سنة 1781 وهو على مشارف الستين من عمره. يبحث كانت في هذا الكتاب ويستقصي محدوديات وبنية العقل البشري ذاته. قام في كتابه هذا بالهجوم على الميتافيزيقيا التقليدية ونظرية المعرفة الكلاسيكية. وأجمل وأبدع مساهماته كانت في هذا المجال بالتحديد. ثم نشر أعمالا رئيسية أخرى في شيخوخته، منها كتابه نقد العقل العملي الذي بحث فيه جانب الأخلاق والضمير الإنساني، وكتابه نقد الحكم الذي استقصى فيه فلسفة الجمال والغائية.

كان كانت قد نشأ في أسرة متدينة خصوصا والدته إلا أنه مع تطوّره الفلسفي بدأ في فهم خاص للدين. فقد كان يرى الفصل الكامل بين الفلسفة والدين وبين العلم والدين ويرى أن المشكلات تظهر حين يحاول أحد منهم التدخل في الآخر وإخضاعه له. وقد رفض كانت جميع أشكال ما سمّي بنصرة الدين للفلسفة أو العكس، كما أنه رفض القول بلاهوت طبيعي مؤسس على معطيات عقلية.

وعنده أن الفلسفة لا تحتاج إلى طقوس ولا تقشف ولا خلوة رهبانية عن طريق إماتة الجسد والزهد ليصل عليها الوصول إلى الحقيقة. إن قوانين ومبادئ العقل هي التي تكشف للإنسان ما يجب أن يؤمن به ويسلك بموجبه تجاه نفسه وتجاه الآخرين وتجاه الكائن الأسمى أيضا، مع الاحتفاظ الكامل بعقلانيته وحريته.

كان كانت رافضا بشكل كامل لسلطة رجال الدين. يذكر أنه كان من تقاليد الجامعات الألمانية أن يطوف الأساتذة والإداريون والطلاب في أول يوم دراسي «اليوم الأكاديمي» بالمدينة حتى يصلوا في الختام إلى كنيسة الجامعة حيث يصلي الجميع وينالوا بركة رجال الدين. كان كنت يطوف مع الموكب حتى إذا اقترب من الكنيسة انصرف عن الموكب واتجه لبيته.

يعدُ كانت مؤسساً لمشروع التنوير الأوروبي، وقد أعلن بأنَّ عصر النقد قد بدأَ ولم يعدْ هناك شيء إلا ويجبُ أن يطالهُ النقد، وبالتالي أصبح التنوير صنو العقلانية، ولن يتمُ تحقيق الإنطلاقة التنويرية دون الخروج من الوصاية والقصور العقلي. يقولُ هاشم صالح أنَّ كانط قد ضحى بحياته الشخصية وشطب عليها من أجل تحرير روح البشرية التي كانت مثقلةً بالقيود والأغلال.

البراهين اللاهوتية

نعني بـ"البراهين اللاهوتية": الحجج والأدلة على وجود موجود ضروري كعلة أولى للعالم.

وتنقسم هذه البراهين إلى ثلاثة أقسام رئيسية، هم:

1. الدليل الأنطولوجي (الوجودي)، وهو يعني استنباط وجود الموجود الضروري "الله" بمجر تحليل معناه، فهو يعتمد على الفكر وحده في التدليل على الوجود وبدون أن يرتكز في تدليله أبدا على الإشارة إلى العالم الذي يحيط بنا، وهذا يعني، غض النظر وعدم الأخذ في الحسبان لأي من التجارب الحسية المتعلقة بالإدراك وتجريد كل التجارب المعقولة، والاحتكام إلى الفكر وحده. أول من اكتشف هذا الدليل أو البرهان هو القديس أنسلم.

هذا الدليل كما هو واضح يحاول أن يبرهن عن الوجود عن طريق التأمل في فكرة الله كما هي في الذهن والتي لا تتكون إلا بعد مجهود شاق وطويل وهي التي تقودنا في النهاية إلى وجوده.

اعتراض كانت:

يتلخص نقد كنط لهذه الأدلة في إبطال الأول، ثم بيان أن الدليلين الآخرين يعتمدان عليه وأنهما إذن باطلان مثله، فيخرج بهذه النتيجة وهي أنه يستحيل إقامة دليل عقلي على وجود الله، فيصدقه كثيرون ويتناقلون انتقاداته على علاتها.

ويعتبر الدليل الانطولوجي الأصل لدى كانت، ويمتاز بأنه يستدل قبلياً بمفاهيم مجردة ذاتية على وجود علة أسمى. وقد يكون من الأولى ان يسمى بالدليل الذاتي لا الانطولوجي أو الوجودي.

يُثير كانط اعتراضين على الدليل الانطولوجي يتمثلان في:

1. إذا رفضنا موضوع «الله» مع محموله المتمثّل بالوجود الضروري، لا يمكن أن ينشأ التناقض.

يقول كانت: "إذا كان وجوده مرفوضاً، فإننا نرفض الشيء في حد ذاته مع كل محمولاته. لقد شهدنا أنّه إذا تم رفض محمول الحكم بالإضافة إلى الموضوع، لا يمكن أن ينتج تناقض داخلي وهذا الأمر يَثْبت بغض النظر عن ماهية المحمول. إن الطريقة الوحيدة لتفادي هذه النتيجة هي الاحتجاج بوجود موضوعات لا يمكن رفضها وينبغي استمرارها على الدوام، ولكن هذا يُشكل طريقة أخرى للقول بوجود موضوعات واجبة؛ وهذا هو نفس الافتراض الذي يزعم الدليل (الأنطولوجي) إقامته ".

- نقد

نُلاحظ أن كانط نفسه هو من يُعلن من دون دليل عدم وجود موضوعات واجبة

2. الوجود ليس محمولا.

يتضمن الاعتراض الثاني دعوى كانط الشهيرة بأن «الوجود ليس محمولا» لأنه «عندما نفكر بشيء، أيّاً ما كانت المحمولات التي نفكر به من خلالها ومهما كان عددها -حتى في التعيين الشامل- فإنّنا لا نضيف شيئاً على الإطلاق إلى الشيء عندما نُعلن وجوده، وإلا فإنّه لن يوجد كما هو بالضبط، بل على العكس، سيوجد أكثر مما فكرنا به في الأفهوم..

- نقد

يمكن الإجابة على الاعتراض من خلال التمييز الدقيق بأننا هل نتحدث عن الوجود الواجب أو الممكن، حينما نقول إن «الوجود ليس محمولا.» فلنفترض في هذا النقاش أن الوجود الممكن ُ ليس محمولا، ولكن لا ينتج من ذلك أن الوجود الواجب هو أيضاً ليس محمولا.

بما أنّنا قد افترضنا أن الوجود الممكن ليس محمولا، فإنّنا قد قبلنا بالحقيقة التي تُفيد أنّه «أيّاً ما كانت المحمولات التي نُفكر بالشيء من خلالها ومهما كان عددها... فإنّنا لا نضيف شيئاً على الإطلاق إلى الشيء عندما نُعلن وجوده الممكن».

2. الدليل الكوزمولوجي (الطبيعي)، ويستند الدليل الكوزمولوجي إلى مبدأ رئيسي من مبادئ العقل البشري الذي ينص على أنّ لكلّ شيء سببا أو لكل معلول علة، ومن صوره أن كل متغير حادث ولكل حادث مٌحدث، فالكون متغير، لذلك فهو حادث ويحتاج إلى محدث وهو الله.

اذا فالدليل الكوزمولوجي هو الاستدلال بحدوث الأشياء المشاهَدة على أنه لابد أن يكون لها مُوجد؛ لاستحالة أن يكون وجودها وانتقالها من العدم إلى الوجود ذاتيًا من غير سبب.

يعترض كانت بأن هذا الموجود الضروري ليس حتما الموجود الكامل أو "الله"، بل قد يكون المادة أو العالم..

- نقد

توهم كانت أن هذا الدليل يقوم على أساس ما قام عليه الدليل الأنطولوجي، والذي تتكون بذرته بضرورة الانتقال من المعنى إلى الوجود العيني، وهذا خطأ من كانت؛ لأن الدليل هنا يسير على طريقة الانتقال من الموجود الفعلي في الواقع إلى الموجود الضروري.. فليس ثمت تشابه هنا. وعليه نقول أن الضروري هو الكامل وليس الكامل هو الضروري.

3. الدليل الغائي (الطبيعي الإلهي)، قال بهذا الدليل سقراط وأفلاطون، ومضمونه أن لكل شيء في الطبيعة غرضا، لا يمكن تفسيره إلا بافتراض وجود موجود غير مادي، يتجاوز الطبيعة وينظم كل الظواهر على نحو منسجم.

فهو إذا يتخذ من المخلوقات دليلًا على وجود الخالق ويزيد على ذلك أن هذه المخلوقات تدل على قصد في تكوينها وحكمة في تسييرها وتدبيرها، فالكواكب في السماء تجري على نظام وتدور بحساب وتسكن بحساب، وعناصر المادة تتألف وتفترق، وتصلح في ائتلافها وافتراقها لنشوء الحياة ودوام الأحياء، وأعضاء الأجسام الحية تتكفل بأداء وظائفها المختلفة التي تتحقق الحياة بمجموعها وتكملة عضو منها لعضو ووظيفة لوظيفة، ومن عرف التركيب المحكم الذي يلزم لأداء وظيفة البصر في العين تعذر عليه أن يعزو ذلك كله إلى مجرد المصادفة والاتفاق، ويقال في كل حاسة من الحواس ما يقال في العين أو العيون التي تتعدد بتعدد الأحياء.

يقول كانت: "هذا الدليل جميل مشهور لدى الجمهور، وهو جدير بأن يذكر دائما باحترام، إذ عليه اعتمد الناس دائما للاعتقاد بوجود الله..

غير أن له عيوبًا خطيرة من وجهة نظر كانت، وتتمثل في الآتي:

1. فهو يشبه غائية الطبيعة، إن كانت حقيقية، بغائية الفن، مع أن بينهما هذا الفارق: في الفن المادة والصورة متغايرتان، فالمادة بحاجة لمن يطبعها بالصورة، إما في الطبيعة فلا بد من برهان خاص على أن الطبيعة عاجزة بذاتها عن إحداث النظام.

- نقد

إن البرهان على أن الطبيعة عاجزة بذاتها عن إحداث النظام برهان ميسور متى لاحظنا أن النظام تأليف الكثير لتحقيق غاية، وأن الغاية معقولة قبل تحقيقها، وأن المادة غير عاقلة.

2. إذا سلمنا بهذا الشبه كان كل ما نصل إليه هو أن صورة العالم هي الحادثة دون مادته، بحيث يؤدي بنا الدليل إلى إله مصور للعالم لا إلى إله خالق لمادته.

- نقد

نسلم بأن الدليل لا يذهب بذاته إلى الإله الخالق، وأن كل ما ينتجه أن لنظام العالم علة عاقلة، وإنما تعددت الأدلة على وجود الله لتعدد وجهات الإمكان في الطبيعة، كل وجهة تؤدي إلى مبدأ أولي من جنسها، وتؤدي الوجهات جميعا إلى المعنى التام لله، على أن الدليل يؤدي إلى إله خالق إذا لاحظنا أن النظام في الطبيعة ليس نتيجة تركيب أجزاء مادية متجانسة كما يريد المذهب الآلي، ولكنه صادر عن ماهيات أشياء موجودات واحدة بوحدة حقيقية، بحيث إن إيجادها على صورة معينة هو في الواقع ايجاد المادة والصورة معا.

3. لما كانت تجربتنا محدودة، وكان في العالم نقائص، فإن هذا الدليل يؤدي بنا إلى أن هذا الإله المصور حاصل على عقل كبير من غير شك لكن لا على عقل غير متناه، لضرورة التناسب بين العلة والمعلول.

وأصحاب الدليل يدعون مع ذلك أنهم يصلون إلى الله الموجود الكامل، فهم هنا أيضا ينتقلون دون أن يشعروا من العلة الضرورية لنظام العالم، على افتراضها خالقة هذا العالم، إلى الموجود الكامل، وهذا ما يفعله الدليل الطبيعي الذي يستند إلى الدليل الوجودي الذي هو غلط.

- نقد الباحث:

إن الدليل يؤدي بنا إلى أن منظم العالم موجود غير متناه إذا فهمنا النظام على النحو المتقدم ووجدناه يعدل الخلق، إذا أن الخلق أو منح الوجود لا يكون إلا عن الموجود بالذات، أما إذا وقفنا عند موجود متناه عادت المسألة فقلنا إن هذا الموجود معلول يقتضي علة، ويمتنع التسلسل، فتنتهي إلى علة أولي هي بالضرورة موجود كامل لا متناه.

وليس بصحيح أن هذا الدليل يعتمد على الدليل الوجودي، فقد بيَّنا أن الانتقال من الضروري إلى الكامل غير الانتقال من الكامل إلى الضروري؛ وبذا تتبدد اعتراضات كانت.

الخلاصة:

1. (كانت) كان يشعر أن «الدليل الفيزيائي-اللاهوتي (الغائي) على وجود كائن أصلي أو أسمى يعتمد على الدليل الكوزمولوجي، والدليل الكوزمولوجي يعتمد على الأنطولوجي، فإننا من خلال نقض اعتراضاته على الدليلَين الكوزمولوجي والأنطولوجي قد قمنا مرتين بدحض ادعائه: "أن الدليل الغائي باطلٌ بسبب اعتماده على هذين الدليلين".

2. كانت رفض موضوع «الله» مع محموله المتمثّل بالوجود الضروري، الذي أخذه من الدليل الأنطلوجي، بــدون دليل على رفضه، أو إبداء أية أسباب منطقية على مذهبه.

3. خلط كانت بين الدليل الانطولوجي والكوزمولوجي، حيثُ أن الانطولوجي تتكون بذرته بضرورة الانتقال من المعنى إلى الوجود العيني، وهذا خطأ من كانت؛ إذ جعل الكوزمولوجي شبيها له، لأن الدليل (الكوزمولوجي) هنا يسير على طريقة الانتقال من الموجود الفعلي في الواقع إلى الموجود الضروري.. فليس ثمت تشابه هنا. وعليه نقول أن الضروري هو الكامل وليس الكامل هو الضروري.

4. في الدليل الغائي حين تعرض كانت لنقده، أستشكل عليه الأمر بأن الطبيعة لم لا تكون هي التي وراء المقصد ولم لا يصح أن نطلق عليها "الموجود الضروري؟!

ولكن الجواب هنا بسيط بالتفرقة بين التعقل والعشوائية، فالطبيعة خالية تماما عن ما يمكن أن تسميه المقصد أو المبتغى من وراء الفعل، وهذا يظهر في طبيعتها وكينونتها التي تشير إلى ما نحن بصدده من أنها غير عاقلة فضلا على أن توجد النظام العقل.

5. أخطأ كانت حين قال أن العلة الضرورية (الواجب للوجود) لا بد وأن يكون فيه ما يشبه المعلول (الكون) لضرورة التناسب بين العلة والمعلول، وعليه فإن العالم تقع فيه النقائص؛ إذا فالعلة الضرورية ذات عقل كبير ولكنه عقل متناه.

وهذا قياس خاطئ تماما، فحين قال كانت بضرورة تناسب العلة بالمعلول غفل عن ضرورة عدم قياس الغائب على الشاهد، حيثُ أنه قياس فاسد، كما أنه غفل عن صفات العلة العاقلة الضررية والتي من أهم يمزها "الإرادة" التي تخرج عن طبيعة الوجود المتغير لتغاير ذاتها العقلة .

6. رغم ما تعرضنا له في بحثنا من النقد لكانت، إلا أننا لا نغفل جهده في توظيف الفلسفة لوضع معالم للمعرفة يتلاقى فيها العقليين والتجريبيين معا، فقرر كانت أن المعرفة لا تتم إلا بالخبرة الحسية والمبادئ العقلية معا، فالعقل هو من يحقق فاعلية الخبرة الحسية، وهو في نفس الوقت لا يتعالى عليها.. وهكذا جاءت فلسفة (كانت) مثالية نقدية معرفية.

______________________

المصدر:

"كانط والبراهين اللاهوتية بطلان الحجة على عدم وجود الكائن الواجب " لـ روبرت آندرو آرييل. باحث في الفيزياء والفلسفة ـ أمريكا. العنوان الأصلي للمقال: Teistic Proofs and Immanuel Kant: A Conflict Revisited Journal of the American Academy of Religion, Vol.42, No.2 )Jun.,1974(, pp.298 -306 :ـ المصدرَ وردت هذه المقالة في الدورية التابعة للأكاديمية الأمريكية الدينية، وتُع ّد ٍ بشكل ٍ عام أرفع دورية ُ أكاديمية في ميدان الدراسات الدينية. تَنشر هذه الدورية المتداولة على مستوى عالمي مقالات ُ بحثية تتناول ٍ كامل نطاق الأصول الدينية العالمية بالإضافة إلى دراسات حول المناهج التي يتم ّ من خلالها استكشاف هذه الأصول، ويتضم ُن ٍ كلّ عدد قسماً كبي ّ اً وقيماً لمراجعة الكتب.ـ تعريب: هبة ناصر.


2 تعليقات

تعليق:

أحدث أقدم

نموذج الاتصال