(إسلام الفقهاء) كتاب رائع يبين فيه المؤلف مقصده من عنوانه بقوله:
(قد يبدو للوهلة الأولى أنه يتعين علينا تحديد ما نقصده بإسلام الفقهاء، لأن الشائع أن الإسلام واحد، وأن الفقهاء قد بنوا آراءهم على النصوص التأسيسية، واستنباط الأحكام استنادا إلى المستندات النظرية التي حددها الأصوليون، فكانت اجتهاداتهم" سببا في نشوء المذاهب الفقهية الموجودة منها والبائدة. ومن الأفكار الشائعة أيضا أن اختلافات الفقهاء كانت في الفروع لا في الأصول.
إن مثل هذه الآراء تحتاج، في نظرنا، إلى مراجعة وتقليب، خاصة إذا عدنا إلى نشأة الفقه "علما من العلوم الإسلامية "، ونظرنا في اختلافات الفقهاء اعتمادا على النصوص واستنطاقها، ولعل ذلك يكون السبيل الوحيدة إلى كشف المسكوت عنه بالأساس.
لئن بدا في الظاهر إذن وجوب تحديد القصد بإسلام الفقهاء ، فإننا نذهب إلى أن هذا التحديد في حاجة إلى مقدمات وتحليل يسبقه وإلا قادنا التسرع إلى الإخلال والأحكام المسبقة، لذلك رمنا التأكيد على بعض النقاط المبدئية التي نحسبها جوهرية وقد تترتب عليها نتائج هامة .
يمكن القول إن الفقه في معناه العام يشمل كل مظاهر الحياة الدينية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
ومن هذا المنطلقات إذن يقول محمد عابد الجابري عن صواب في نظرنا: «إذا جاز أن نسمي الحضارة الإسلامية بإحدى منتجاتها فإنه سيكون علينا أن نقول عنها إنها حضارة فقه. والواقع أنه سواء نظرنا إلى المنتجات الفكرية للحضارة الإسلامية من ناحية الكم أو نظرنا إليها من ناحية الكيف فإننا سنجد الفقه يحتل الدرجة الأولى بدون منازع»)
إن مثل هذا القول يتأكد إذا قارنا بين الإسلام والمسيحية مثلا، فالمسيحية تهتم بالإيمان القويم orthodoxie أكثر من اهتمامها بالسلوك القويم orthopraxie الذي أولاه المسلمون المقام الأول، ولعل ذلك يكون من بين الأسباب الهامة التي ساهمت في إيلاء الفقه المكانة التي يتبوأها في المنظومة الإسلامية برمتها.
لقد أسس الفقه سلطة، ولكن هذا التأسيس لم يأت طفرة واحدة بل شهد سيرة، مما يمكننا من الحديث عن نشأة الفقه وتحولاته التاريخية وتبلوره في شكل مذاهب أو مدارس مختلفة تلونت آراؤها بالثقافي المتحول، واشتملت على الأصيل والطارئ. ولعل النظر في كل ذلك وتتبعه يوقفنا على خصوصيات نظرة الفقهاء إلى الإسلام.
قمنا عملنا إلى ثلاثة محاور کبری تأخذ بعين الاعتبار ناحيتين على الأقل :
الأولى تمثلها الناحية التاريخية، والثانية مكملة للأولى وتتمثل في أن التتبع التاريخي لا يقتصر على رصد تطورات الفقه الإسلامي قرنا فقرنا بل هو تتبع قائم على أبرز التحولات التي عرفها الفقه منذ زمن النبوة. ولعل طول الفترة التاريخية التي نهتم بها، كان من الأسباب الوجيهة التي ستجعلنا نقتصر على أهم التحولات التي كان لها الأثر البالغ في الفقه من خلال نظرنا في:
1) الممارسة الفقهية قبل التنظير .
۲) التنظير لمؤسسة الفقه .
٣) المقولات الفقهية.
وما نشير إليه أخيرة أن اعتمادنا سيكون كبيرة على النصوص القديمة ومحاولة استقرائها مع مقارنتها دائما بما ورد في النص القرآني الرصد مدى تقيد الفقهاء بمبادئ النص وتوجيهاته أو الانزياح عنها، والغاية القصوى من وراء ذلك تبين أبرز خصائص إسلام الفقهاء )
التصنيف :
معرفة