لقد شغلت قضية "الردة" أذكان الناس كثيرًا حتى كأننا لا نصدق هذا الجمود الذي نراه في أفكار البعض من المتشددين الذين لا يحسنون فقها ولا علما!
ومما يجب أن يشكر عليه الدكتور طه جابر العلواني ؛ هو تأليفه لكتاب "لا إكراه في الدين" في بيان إشكالية الردة والمرتدين.
يقول الدكتور عن الغرض من بحثه القيّم:
(إن قضية البحث الأساسية هي الردة الفردية بمعنی : تغيير الإنسان عقيدته ، وما بني عليها من فكر وتصور وسلوك، ولم يقرن فعله هذا بالخروج على الجماعة أو نظمها، أو إمامتها وقيادتها الشرعية، ولم يقطع الطريق، ولم يرفع السلاح في وجه الجماعة، ولم ينضم إلى أعدائها بأية صفة أو شكل، ولم يقم بخيانة الجماعة : وكل ما كان منه.
هو تغيير في موقفه العقيدي نجم عن شبه و عوامل شك في جملة عقيدتها، أو في بعض أركانها، ولم يقو على دفع ذلك عن قلبه، واستلم لتلك الشبهات ، وانقاد التأثيراتها، وانطوى على ردته تلك، فلم يتحول إلى داعية لها - كما ذكرنا سابقا . فبعد الاتفاق على ردته وكفره، نقول :
هل لمثل هذا شرع الله حدا هو القتل بعد الاستتابة أو بدونها، بحيث يصبح واجبا على الأمة - ممثلة بحكامها- أن يقيموا عليه هذا الحد، فيقتلوه على مجرد التغيير في اعتقاده ، حتى إن لم يقترن هذا التغيير بأي شيء آخر مما ذكرنا؟
وإذا قتله أحد أبناء الأمة فلا يقتص منه ولا يقاد به ، ولا شيء عليه في ذلك إلا عقوبة الافتئات على الحاكم؟
وهل يجب على الأمة أن تكره هذا وأمثاله على الرجوع إلى الإسلام والعودة إليه بالقوة؟
وهل يعد هذا لو حدث من قبيل الإكراه في الدين الذي نفاه القرآن المجيد أولا؟
وهل القول بوجوب قتل المرتد أمر مجمع عليه في كل العصور، أو أن فيه خلافا لم يبرز بشكل كاف؟
وإذا قيل بوجوب قتل المرتد فهل يعني ذلك أن الكفر المجرد يصلح أن يكون سببا لإيقاع عقوبة القتل شرعا؟
وهل تعد العقوبة الخاصة بالردة عند جماهير القائلين بها جريمة سياسية أو هي جريمة تندرج في إطار الجنايات ، فتأخذ العقوبة - آنذاك - صفة الحد الشرعي؟
وهل بعد هذا الحد. إذا سلمنا بكونه حدا - تکفيرا أو تطهيرا؛ إذ المنصوص عليه أن الحدود مكفرات؟
وهل الردة تعد خروجا من الإسلام أو خروجا عليه؟
هذه قضايا الدراسة الأساسية، وسنتعرض لها، ولما قد تفضي إليه من قضايا أخرى).