"كل ما فاتك - من الله سوى الله - : يسير ، وكل حظ لك ، سوى الله قليل ".
بهذه الحكمة البالغة التي نطق بها أبو سعيد : نبتدى الحديث عنه ، ولا نبتدئ بهذه الحكمة اعتباطا ، ولكن لأنها محور تفكيره .
لم تخدعه زخارف الحياة الدنيا ، ولم تلهه مفاتنها ؛ فاختط النفسه طريق الصديقين ، وسار على نهج أولياء الله ، رضي الله عنهم .
لقد ابتدأ - کا تبتدئ الصفوة المختارة - باحثا منقبة عن الله ، فوجده ظاهرة في آثاره :
لقد وجده في النسمة العليلة ، وفي الزهرة الندية ، وفي النجم المتألق ، وفي شعاع الشمس الذهبي ، لقد وجده في الخير ، وفي الجبال ، وفي الجلال ، فأحبه وهام وكثيرا ما أنشد تعبيرا عن حاله أيضا :
أسائلكم عنها ، فهل من محبر؟ ** فما لى بنعم - مذنات دارها - علم !
فلو كنت أدرى أين خيم أهلها ؟ وأي بلاد الله - إذ ظعنوا أثوا إذن لسلكنا مسلك الريح خلفها ولو أصبحت نعم، ومن دونها النجم !
وكثير من الناس من فیض الله عليه النعم ، ويمنحهم من جوده فينعمون بما أنعم لاهين عنه ، ويتلذذون بما منحهم من أسباب الملاذ ، غير متجهين إليه سبحانه .. !
أما أبو سعيد : فكان مسلكه ، وكان شعاره شيئا آخر .. إنه يعبر عن منهجه حين يقول :
ينبغي أن يكون فرحك في العطاء : بالمعطي ، ولذتك في اللذات : بخالق اللذات ، وتنعمك في النعم : بالمنع دون النعم ، لأن ذكر النعمة ، عند ذكر المنعم : حجاب ، ورؤية النعمة ، عند رؤية المنعم : حجاب .
ويشرح حدیث رسول الله صلوات الله وسلامه عليه :
جبلت القلوب على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها ... فيقول : «واعجب ممن لم ير محسنة غير الله ، كيف لا يميل بكليته إليه ، !!
وفي الاتجاه إلى الله : نعيم لايعدله نعيم ، ولذة لاتعدلها لذة ... وإذا نعم الناس بملبس يبلى ، أو بمطعم لاتلبث حلاوته أن تزول ؛ فإن الأولياء الله نعيمهم المبرأ من الأوضار !!.
إن لهم نعيمهم الروحي ، ولكن لهم أيضا نعيم أبدانهم الطيب الطاهر.
يقول أبو سعيد :
إن الله تعالى عجل لأرواح أوليائه التلذ بذكره ، والوصول إلى قربه ، وعجل لأبدانهم النعمة بما نالوه من مصالحهم ، وأجزل نصيبهم من كل كائن، فعيش أبدانهم : عيش الجنانيين (أهل الجنة ) ، وعيش أرواحهم : عيش الربانيين .
التصنيف :
معرفة