في 11 أيلول/سبتمبر 2001 شهدت الولايات المتحدة هجمات شرسة، حيث تم تحويل مسار أربع طائرات مدنية وتوجيهها لتصطدم بأهداف محددة، تمثلت في برجي مركز التجارة الدولية بمنهاتن ومقر وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون). سقط نتيجة هذه الأحداث 2973 ضحية، و24 مفقودة، إضافة لآلافي الجرحى والمصابين.
هذه الحادثة كان لها وقع الصاعقة على الولايات والمتحدة والعالم بأسره. بعض المفكرين الملحدين التقط هذه الفرصة ووجه سهامه إلى الدين، بوصفير جذر كل الشرور في العالم! سام هاريس ) كتب نهاية الإيمان (2) (2004)، ريتشارد دوكنز (3) كتب وهم الإله (4) (2006)، دانیال دینیت) کتب کسر الفتنة أو إبطال السحر) (2006)، وأخيرا انضم إليهم کریستوفر هيتشينز (7) الذي كتب الله ليس عظيما(8) (2007).
هؤلاء أقحموا أنفسهم في مواضيع فلسفية عميقة تتجاوزت قدرات أغلبهم، جاهم على ذلك و الساحة من الفلاسفة المتصدين للشأن العام، أو قلة عددهم، وصارت كثب هؤلاء أكثر الكتب بيعة في الأسواق، وشكلوا تیارة غرف ب «الإلحاد الجديده). هذا التيار يتسم بالعداء الشديد للدين، وبإصدار التعميمات والأحكام الجزمية المتسرعة. فسهامهم لم صؤب للتطرف الإسلامي، بل للمسلمين. وسهامهم لم صؤب للمسلمين فقط، بل لكل المتدينين.
شخصيا لا أرى مستقبلا لتيار الإلحاد الجديد في الغرب، لأسباب عديدة من بينها أن الغرب اعتاد في القرن الأخير على أن يشهد ولادة ونشاة وموت تیارات فلسفية بزعة قياسية، فصارت التيارات الفكرية أشبه ما يكون بالموضة».
إلا أن هذا التيار انعكس بشكل سريع على ساحتنا العربية. فعضنا هو عضر الانفجار المعلوماتي، وانهيار الحواجز بين الأول والثقافات. ومثقفينا الذين كانوا يرون بالغرب في القرن الماضي، ثم يأتون ويبشرون بالتيارات الفلسفية التي تأثروا بها، كانت دراستهم وعودهم ثم ممارسة تأثيرهم يستغرق وقتا، قد يصل إلى عقود أو عقد على أقل تقدير. لكن مع وجود أعداد هائلة من طلبتنا الدارسين في الخارج، ومع انهيار الحواجز، ووجود الانترنت، ووصول المعلومة بشعة قياسية ، صار تأثير تلك التيارات يبرز في ساحتنا بشرعة خارقة. ويبقى الشؤال: لماذا تأثرت ساحتنا بهذا التيار بشرعة كبيرة؟
الجواب يتطلب دراسة مستفيضة، لكن يمكن القول إجمالا إن التطرف الإسلامي المدعوم من أنظمة، وتطبيق الشريعة الإسلامية بطريقة مشوهة ومنفرة، ووجود استبداد سياسي وكبت نفسي واختناق فکري على مدى عقود، و تخلف الخطاب الإسلامي وعدم قدرته على مواكبة المستجدات...
كل ذلك هيأ الأرضية لتأثر ساحتنا بتيار الإلحاد الجديد. كتابي هذا لم يكتب کرد على هذا التيار، وإنما تزامن تأليفه مع انتشار الإلحاد الجديد. وعند تحريري للكتاب كان لا بد أن أضع في اعتباري الأوضاع المستجدة على ساحتنا الفكرية.
هذا الكتاب لا يستهدف تفنيد ادعاءات تیار الإلحاد الجديد، وإن تناول بعضها عرضة. كما لا يستهدف بإلحاح إقناع الملحدين بوجود الله ... لماذا؟
لأن الاقتناع لا يحصل عادة بمجرد الاطلاع على الأولة... فالألة هي من الوسائل التي قد تؤدي إلى الاقتناع في ظل شروط معينة. الاقتناع يفترض أن يحصل نتيجة وجود أيلة صلبة من ناحية، وعدم وجود موقف نفسي مسبق من ناحية أخرى.
في هذا الكتاب، حاول أن أقدم أدلة صلبة لصالح الإيمان بالله ، لكن قد أكوث محامية فاشلا لقضية صادقة. فشلي في تقديم أدلة صلبة، لا يعني عدم صدق القضية التي أدعي صحتها. ولو كنت محامية ناجحة،
وكانت التي صلبة، فهذا لا يعني أن القارئ سيقتنع بالضرورة، لأنه قد يحمل في نفسه أحكامة نهائية مسبقة تجاه الإيمان بالله ، وعندئذ لن يتزحزح موقفه مهما قدم له الآخرون معطيات وأدلة. إذا للاقتناع شروط معقدة، بعضها يتعلق بالأدلة نفسها، والإطار الفكري العام الذي قدم في سياقه. وبعضها يتعلق بالمتلقي نفيه، موقفي المسبق، تجاربه الشخصية ، بيئيه الثقافية، توعايير، رغباتي ..... إلخ.
وإن كان بوسعي بذل أقصى جهد لإحكام الأدلة ، فليس بوسعي توفير هذه الشروط بالنسبة للمتلقي، لأن الأمر يتعلق به.
هذا الكتاب يستهدفت مخاطبة المتشكك المتردد، كما يستهدفت مخاطبة المنجد الذي يقيم موقفه الإلحادي باستمرار، بالإضافة إلى المؤمن بالله الذي يريد إعادة بناء إيمانه على اش عقلانية.
عالم الرموز:
نحن نعيش في عالم مليء بالرموز والإشارات، ملابشنا تتضمن رموزا وریل إشارات ؛ العمامة ترمز للدين، الصليب يرمز للمسيح ، تاج الملك يرمز للشلطة السياسية، لباس الجندي يرمز للشلطة العسكرية، رداء القاضي يرمز للشلطة القضائية ، رداء الطبيب الأبيض يرمز للصحة والعلاج، والعقال أو الطربوش أو القبعة .....إلخ كلها ترمز للباس الوطني.
تسير في الشارع وترى الرموز ثلاجتك... الإشارة الحمراء ترمژ للتوف، والخضراء للسير والحركة، وثمة إشارات ترم لمنع الوقوف أو الانتباه أو تحديد الشرعة... إلخ. تأتي إلى الكمبيوتر، فتجد أن كل قطعة في لوحة المفاتيح ترمز إلى شيء محدد، ولها وظائف ومهام محددة. تدخل إلى العالم الداخلي للكمبيوتر، تجده عند معالجة المعلومات يقوم بالرميز وفك الرموز، وينفذ مهائه كلها من خلال رموز.
تُمسك الريموت كونترول بيدك لتفتح التلفزيون، فتجد أن كل زر هو رمز لمهنة محددة. تفت التلفزيون فترى لكل قناة رمزا ترددية محددة. وعندما تعثر على القناة التي ترغب بمشاهدتها ، تجد أنها اختارت لنفيها رمزة خاصة بها يظهر على طرف الشاشة.
تا... ورقة رسمية من أي مؤسسة حكومية، تجد شعار الدولة عليها. تلتقط بروشور، لأي مؤسسة تعليمية أو طبية تجد أنها تحمل شعار تلك المؤسسة. رزق بطفل، فتقرر أن تطلق عليه اسمة، أي رمزا تشير به إليه ...فاسماؤنا كلها رموز وإشارات دالله علينا، محيلة إلينا.
والأهم من ذلك كله، أن الكلمة المكتوبة هي رمز للكلمة المنطوقة، والكلمة المنطوقة هي رمز للفكرة، والفكرة هي رمز للشيء المنتزع من الخارج بنحو مباشر أو غير مباشر ... بالتالي اللغة وعمليات التفكير زاخرة بالرموز، ولا تقوم لها قائمة إلا بالرموز.
ما أكده حاليا علم المعرفة والإدراك(1) هو أن الأمن عندما يحفظ ويستذكر ويذرك وفکر، هو في الحقيقة يقوم بالترميز وفك الرموز. الثرمیژ هو جعل شيء علامة على آخر، بحيث تربط هذا الشيء (المز) بذاك الآخر (المرموز إليه). وفك الرموز هي عملية استرجاع، يحيلك فيها الرمز إلى الأصل المرموز إليه.
ذهن الإنسان مصمم على أساس أن تحيله الأفكار إلى أفكار أخرى، والأشياء إلى أشياء أخرى، والأفكار إلى أشياء، والأشياء إلى أفكار. بين الأشياء والأفكار علاقات إحالة وإشارة ... بعضها يشير إلى البعض الآخر.
التصنيف :
معرفة