لم هذا الكتاب؟
ولعت منذ حداثتي مطالعة ذلك الكتاب المنظور، فقد كنت. ولا أزال دائم التأمل في هذا الكون الغريب العجيب و دائم النظر في كتب علم الفلك.
كم كان يهزني أن أعلم أن بمجرتنا وحدها ما لا يقل عن مائة ألف مليون شمسا وأن بالكون أكثر من مليوني مجرة!
كما كان يهزني أن أعلم أن شمسنا قدر ارضنا بنحو مليون وثلاثمائة وعشرون ألف مرة حجمة، ونحو ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون ألف مرة وزنة!
وأنا الذي حسبت في طفولتي أن قريتنا بریف مصر هي أكبر ما في الوجود! نعم أرئ القمر وأرئ الشمس، ولكن كم يبلغان . كما أبصرهما بالنسبة لقريتنا حجما ووزنة؟!
كما كان يهزني أن أعلم أن بعض الشموس تكبر شمسنا في الحجم والوزن بملايين المرات! وأنا الذي حسبت في صباي أن شمسنا الوحيدة في الكون!
كما كنت أرتعد من حرارات النجوم التي تستعر في بواطنها إلى عشرات الملايين من الدرجات المنوية! كما كنت أتوه في المسافات الرهيبة بينها والتي تقصر السنين الضوئية عن قياسها فلجأوا إلى ما يسمى الفراسخ الفلكية !
وأما عن الأعمار، عمر الأرض، وعمر الشمس، وعمر المجرة، فكنت أبحر في بحر من ماض ليس له قرار، ناهيك عن عمر الكون الذي يبلغ سبعة عشر ألف مليون من السنين فأصاب بالدوار .
وأما عن كيف تنتظم كل هذه «العظمة» في وحدة تجمعها وكل لا يرفض أية منها، فلم يكن دوارة عادية ينتابني بل كان أكبر دوار .
ورحت من داخلي أتساءل: من أوجد كل هذا؟ ولم؟ وكيف؟ وبكل ما في قواميس اللغة من علامات الاستفهام. كيف السماء رفعت؟ والأرض طحت ؟ والجبال تصبت؟ والخلائق څلقت؟ علمني معلمي في الدروس الأولى من العلوم والجغرافيا أن الأرض تدور، ورفضت هذا الدوران طفلا ، فما أشاهد غير ما يقولون! رفضته في نفسي وإن كنت أعترف به بالطبع وأزكيه في أوراق الامتحان!
واحترت راشدأ فيما رفضته طفلا : كيف تدور الأرض حول نفسها وحول أمها الشمس وحول جدتها المجرة، ومع الجدة حول نفسها وفي سبحها، فالمجرة هي الأخرى سابحة، وكل ما في الكون سابح . ورحت أسأل عن السكون بل وأفتش عنه تفتيشأ على أجده في ذلك الكتاب المنظور كله من ذراته إلى مجراته. وعلمت أن الحركة طاقة، فراح عقلي يسأل : ومن أين هذه الطاقة؟ من الذي يمد كل هذه «العظمة» بعظمة أكبر فتسيرها، وليس أي تسيير وإنما في خطوط مرسومة ومدارات مقسومة وآجال معلومة!
وأذهلتني الدقة الهائلة التي تعمل بها كل تلك العظمة، وكيف أن الأرض. مثلا. في دورانها حول نفسها تعتبر من أدق الساعات التي يعرفها الإنسان حتى الساعات الذرية ، فلا يتجاوز تأخيرها ستة أجزاء من مائة مليون جزء من الثانية الواحدة في اليوم الواحد!
کما رحت أتساءل : إذا كانت المجرات تتدافع عن بعضها بسرعات یکاد يكون بعضها لنصف سرعة الضوء أقرب، فإلى أين؟ وإلى متى؟
وراح عقلي يشطح كثيرا فتجاوز صفحات الكتاب المنظور كله ليسأل عما وراءه ، أي بعد أن تنتهي المادة والطاقة، كل المادة والطاقة، فماذا بعد؟ كما راح يشطح أكثر وأكثر : هل هو ۔ یا ثری۔ کونا واحدة أم أكوان؟ ما المانع؟ ولم لا؟!
ألف سؤال وسؤال.... ولكن السؤال الكبير كان دائما هو الذي يبدأ بأداة الاستفهام: «من» من وراء كل هذا؟
وقالت لي نفسي واحد من اثنين : إما أن يكون كل هذا» أوجد نفسه وسير نفسه بنفسه، وإما أن يكون هناك موجد له و مسير .
ورفضت. عقلا وقلبة. الاحتمال الأول لأسباب لا تخفى على كل بديهة صافية وفطرة سوية ، ورضيت أن يكون هناك موجد له ومسير.
وراح يلح علي عقلي : لكن هل هذا الموجد والمسير جزء من تلك العظمة؟ ووجدتني ارفض مرة أخرى، وعلى الفور، أن يكون كذلك، فهو يجب أن يكون أعظم كما لا يجب أن يكون جزءا منها بحال وإلا احتاج هو الآخر إلى موجد له ومسير.
ورفضت للمرة الثالثة تسلسل الموجدين والمسيرين ، فلابد أن يكون موجدة و مسيرة واحدة.
وفي كتابي هذا رحت أبحث. من خلال قراءتي في الكتاب المنظور . عن ذلك الموجد والمسير.
التقدم المادي.. ذلك دالإله الموهوم!
وبدل أن يحاول بعض الناس ، خصوصا في عصرنا.. إدراك ذلك المن» اليعبدوه ويقدسوه، فإذا بهم يعبدون امنا، آخر.
وكان الامن الجديد هو التقدم المادي ، ذلك التقدم وحید الاتجاه، حيث الايرى إلا بعين واحدة المادة، بينما يفتقد العين الثانية «الروح» التي تبصر البعد الروحي للحياة، فهو تقدم تعوزه المحبة، وعلم بلا دين، وتكنولوجيا لا تعرف الأخلاق، وثورات بغیر زعیم حکیم
ورحت أدقق في بعض هذه الثورات : الثورة الذرية وما وضعنه في أيدي البعض من أسلحة تفتح على الإنسان الف جهنم وجهنم، حيث تكفي لتدمير الكوكب كله. وكما يقال. خمس مرات، وفي رواية ست، مع أن مرة واحدة فقط تكفي!
التصنيف :
معرفة