الفقه الجنائي في الاسلام - الشيخ حسين الخشن pdf

 



لا يخفى أن عقوبة قتل المرتد التي يتبناها الفقه الإسلامي على اختلاف مذاهبه قد غدت مثار جدل كبير، واتخذ منها البعض ذريعة للطعن في الإسلام وشريعته، بوصفها شريعة متشددة تقمع الحريات وتناقض حق الإنسان في اختيار دينه والتعبير عن رأيه.

وهذا البحث الذي بين أيديكم هو حصيلة جهد بذلته على هذا الصعيد، وحرص خلاله على دراسة هذه العقوبة دراسة فقهية مستوعبة تستهدف کشف الكثير من الغموض الذي شاب هذه القضية، وتعمل على إثارة الأسئلة باعتبارها مفتاح المعرفة والسبيل الأمثل لبلوغ الحقيقة، وقد قادني البحث والتدبر والتأمل في نصوص القرآن الكريم والسنة الشريفة إلى نتائج مهمة في هذا المجال، ولا أريد أن أفصح مسبقا عن تلك النتائج، فليصبر القارئ قليلا وسوف يكتشف تلك النتائج بنفسه.
وقد كنت عازما في
المقدمة الأولى للكتاب، (وهي مقدمة فرغت من كتابتها قبل عدة سنوات على أن أعطيه اسم: «الحرية الفكرية والدينية وإشكالية قتل المرتد»، انطلاقا مما أشرنا إليه أعلاه من أن الفتوى بقتل المرتد قد اعتبرت منافية لحرية الإنسان في اختيار العقيدة التي يقتنع بها، ومع أن هذا الاسم لا شائبة فيه، بيد أني قد ارتأيت في اللحظة الأخيرة وأنا أهم بدفع الكتاب إلى الطباعة تغيير العنوان المذكور واختيار عنوان آخر، وهو «الفقه الجنائي في الإسلام - الردة نموذجا»، والموجب لهذا التغيير دافعان:

أولا: أن قضية قتل المرتد قد تم تناولها من قبل الكثيرين بالتشكيك والاعتراض ليس فقط من زاوية منافاتها مع مبدأ الحريات وحقوق الإنسان فحسب، بل ومن زاوية آنها تمثل تعبيرا واضحا - بنظرهم - عن القسوة البالغة في النظام الجنائي الإسلامي، ولا ننسى أن التطبيق الصارم والعلني لبعض العقوبات في الآونة الأخيرة من قبل بعض الجماعات الإسلامية المتطرفة قد أثار الرأي العام الإسلامي قبل غيره إزاء هذه القسوة، واستنكر الكثيرون ذلك ونددوا به، وتوالت الأسئلة عن مدى شرعية هذه العقوبات، وما إذا كانت صالحة لزماننا أم لا.

ثانيا: إن هذا الكتاب في العديد من فصوله - كما سيلاحظ القارئ الكريم - بطرح العديد من الأسئلة إزاء نظام العقوبات في الإسلام ويناقش في بعض ما اعتبره الفقهاء مبادئ مسلمة في الفقه الجنائي الإسلامي، وذلك من قبيل ما طرحناه في الفصل الثالث حول مدى إمكانية تبني فكرة التدبيرية في العقوبات التي أقرتها الشريعة الإسلامية، وما طرحناه في الفصل الرابع حول دور الزمان والمكان في تغيير نوعية العقوبات، إلى غير ذلك من العناوين ذات الصلة بالفقه الجنائي في الإسلام.

وتجدر الإشارة إلى أنني ونزولا عند رغبة بعض الأخوة الأفاضل حرصت على التخفيف قدر المستطاع من اللغة التخصصية التي تطبع أمثال هذا البحث، وذلك بغية تمكين أكبر عدد من المثقفين المسلمين والمهتمين بقضايا الفكر الإسلامي من الاستفادة من هذا الكتاب، ولا أدري إلى أي حد وفقت في هذا المسعى، كما أنني - وللغاية نفسها - قد عمل على تقديم شرح مبسط في الهامش لبعض المصطلحات الفقهية التخصصية .

ومع أني لا أبرئ نفسي من الهوى ولا من وساوس الشيطان، فإني - وبعد الاستعانة بالله - حرصت قدر المستطاع ليس فقط على مراجعة دوافعي الكامنة في أعماق النفس للتوثق من أن لا أكون متساقا تحت تأثير المسبقات الفكرية أو الدوافع الذاتية، وإنما حرصت أيضا على مراجعة هذا البحث أكثر من مرة، وغيرت أكثر من فكرة، وتراجعت عن أكثر من مناقشة، وبعد هذه الجولات كان هذا الكتاب الذي بين أيديكم، والذي يبقى - ومهما كان بنظري مهما - جهدا بشريا، والجهد البشري مشوب بالنقص والعيوب، ولن يرفع نقصه أو يخفف منه سوى القراءات النقدية الواعية له والتي ترمي إلى تسديد الخطی وتصويب الفكر، وليس إلى إسقاط الأشخاص ومواجهتهم بأساليب التكفير والتضليل.


إرسال تعليق

تعليق:

أحدث أقدم

نموذج الاتصال