هذا كتاب « الدين والعلم ، للمشير أحمد عزت باشا ..أحد قواد المرة العثمانية وصدورها العظام، بعد أن عرك الحوادث، وشهد كثيرا من الغير والعبر ، ومارس السياسة والإدارة والحرب زمنا طويلا.
ويبدو أن هذا الكتاب خلاصة تفكير طويل في حقبة مديدة ، ونتيجة تجارب اجتمعت له فيا باشر من الخطوب والأسفار ، وما شهد من اضطراب في العايش والأفكار، وأنه عنهم على نشره حينا تقوضت الدولة العثمانية ، التي جاهد في سبيلها مخلصا ، قال :
وقد ذهبت أدراج الرياح أعمالي في السلك الذي نشأت فيه ، ولم يبق ما ادخره لشيبي إلا أنيس وجداني ، أي عقيدتي الدينية . ولما رأيتها حولي زکزل ، هاج قلب ودفعني إلى هذا التأليف » .
أو الكتاب النشر وقد تقطعت أطراف الدولة ، واحتل الأعداء دار الخلافة ، وأخذ كل قوم في الدولة يعملون للاستقلال ، و بالأناضول ثورة على الخليفة ؛ فلم يستطع المؤلف نشره إذ ذاك . وقد عرضه على بعض علماء إستانبول مستطلعا آرام فيه ، و بينما يتردد بين الإقدام على نشر الكتاب والإحجام ، تغيرت الحال جملة ، فألفيت الخلافة الإسلامية، وعطلت المعاهد الدينية ، وحورب الدين وما يتصل به ، فاستحال أن ينشر المؤلف كتابه باللغة التركية .
البث ينتظر الفرصة ، ويرتقب انفراج الأزمة ، فطال انتظاره ؛ بل زادت الأزمة شدة ولم تنفرج . فلم يجد من وسيلة إلا ترجمة الكتاب إلى اللغة العربية ، ونشره في غير تركيا؛ فشرع يترجمه ، ولكنه لم يترجم أكثر من ثلثه ، وترك الكتاب بين أصل تركي لم يطبع ، وترجمة عربية لم تكتمل . وأرسلت السيدة حرمه الكتاب بناء على وصيته ، إلى صديقه الميم في القاهرة ، إلى الرجل العظيم ، السير الغيور ، الخير البار ، صاحب المقام الرفيع عبد العزبر عزت باشا . وكان هذا قبيل الحرب العالمية الأخيرة ؛ فأرسل صاحب المقام الرفيع الكتاب إلى برجو إكمال ترجمته ، وتصحيحه ، وإعداده للنشر .
ووجدت الأصل ناقصا، فأخبرت رفعة الباشا ، فأرسل إلى إستانبول للبحث عن بقية الكتاب ، وقامت الحرب ، ولبثنا نرقب أن تضع أوزارها .
ولا عاد رفعة الباشا إلى القاهرة بعد الحرب، سأل عن الكتاب ، وحث على نشره بأية صورة .
فرأيت أنا والزميل الصديق الأستاذ حمزة طاهری مدرس اللغة التركية في كلية الآداب من جامعة فؤاد الأول ، أن ننشر الكتاب بما بين أيدينا من أصل وترجمة ، وقد مرنا أنا وجدنا ما نقص من الأصل التركي مترجما كله إلى العربية .
بدأنا بتصحيح القسم الترجم ؛ ثم شغلتني شواغل ، فوقع عبء العمل كله على الأخ حمزة، فاستقل بترجمة ثلثي الكتاب إلى العربية.
وأما القسم الذي وجدناه مترجما ، فلم يكن عملنا فيه إلا تصحيح الترجمة والعبارة العربية ، وهو من أول الكتاب إلى الصفحة الحادية والسبعين ، وسائر الكتاب من هذه الصفحة إلى الآخر ترجمه الأستاذ حمزة ابتداء .
وقد تفضل الأستاذ مصطفى السقا الأستاذ المساعد بكلية الآداب من جامعة فؤاد، فقرا ترجمة الأستاذ حمزة ، وأشرف على طبع الكتاب وتصحيحه، فاستحق جزيل الشتاء والشكر.
وقد قسم المؤلف كتابه إلى مقدمة وأربعة أبواب واستطراد وفصلين مستقلين ، ولم يثبت عناوین في ثنايا الأبواب والفصلين ، فقسمنا الموضوعات في كل باب ، وجعلنا لها عناوين ، تيسيرا على القراء .
وللكتاب حواش كثيرة طويلة ، دقق فيها المؤلف في شرح مسائل من العلوم . وقد آثرنا أن نضعها في آخر الكتاب ، لئلا يؤدی طول بعضها إلى الإخلال بسياق المتن ، وجعلنا لما أرقاما متابعة من 1 إلى 99.
ولا ريب أنه كتاب جدير بعناية القراء، ولا سيما الذين يهمهم الدفاع عن العقيدة الإسلامية ، وإقامة حججها على قواعد من العلم الحديث . وهو يصور لتا حال الناشئة الإسلامية في تلك اللدة المضطربة التي ألف فيها الكتاب ، ويبين آراء رجل من كبار المسلمين في هذه الحال .
وبعد، فنشر هذا الكتاب على اضطراب الأحوال ، بعد ما كثرت السائق ، وحالت الحوائل ، هو حسنة من حسنات حضرة صاحب المقام الرفيع عبد العزيز عنت باشا، قد حرص على نشر الكتاب ، و بقي سنين يجمع أصوله ، وب على إكمال ترجمته وطبعه ، ثم أنفق عليه ابتغاء مرضاة الله.
التصنيف :
معرفة