العقل التكفيري pdf


 


لا شك أن التكفير بما يمثله من ثقافة سوداوية تستعدي الآخر، وتستهين به، ولا ترى له حرمة في نفسه أو عرضه أو دمه، كان ولا يزال - ظاهرة على خلاف الفطرة الإنسانية التي تحرض على كل خير وترفض كل ظلم وعدوان، بيد أن الخروج عن مقتضيات الفطرة كان يجد له أنصارا منذ فجر التاريخ.

ولذا فإني لا أعتقد أن التكفير هو حالة جديدة ومستولدة من رحم الإسلام وأن البشرية لم تعرفها قبل ذلك، كما قد يخيل إلى البعض، أو يحاول البعض الآخر الإيحاء به، و كل مطلع على التاريخ البشري وما يضج به من صراعات الأديان المختلفة وتناحر المذاهب المنضوية في الدين الواحد يدرك أن التكفير هو «ظاهرة » إنسانية عامة وعابرة للطوائف والمذاهب، وليس ذا هوية إسلامية بالخصوص أو أنه منتج إسلامي، وذلك لأن الشذوذ عن الفطرة هو حالة إنسانية عامة (وإن كانت مرضية) بامتياز، أجل لا شك في أن الكثير من المجتمعات البشرية استطاعت أن تتغلب على هذه الظاهرة أو تحاصرها وتحد من انعكاساتها السلبية، بابتكار أو اعتماد منهج عقلاني يسمح بإدارة الاختلاف وتنظيمه دون اللجوء إلى استخدام العنف.

وعقيب فتنة الخوارج تلك شهد الفكر التكفيري تراجعا ملحوظا أمام الامتداد النسبي لفكر الاعتدال والوسطية في المجتمعات الإسلامية، دون أن يعني ذلك أن الفكر التكفيري قد تم قلعه من جذوره، فقد عرف تاريخنا الإسلامي مذاهب وحركات تكفيرية عديدة كانت تظهر بين الفينة والأخرى، في حقب ومراحل زمنية مختلفة، وهذا ما أشار إليه الإمام على اللي في بعض كلماته، وذلك أنه وبعد أن قاتل الخوارج في النهروان وقضى عليهم قيل له: يا أمير المؤمنين هلك القوم بأجمعهم؟
قال لي : كلا، إنهم نطف في أصلاب الرجال وقرارات النساء كلما نجم منهم قرن قطع...

وتأتي على رأس الجماعات التكفيرية بعض الفرق المتأخرة التي لم تتوزع عن تكفير عامة المسلمين أو رميهم بالشرك، لمجرد أنهم يتبركون ببعض آثار النبي هو أو يتوسلون به أو يحتفلون بذكرى مولده أو وفاته ، ومن رحم تلك الفرقة خرجت كل الجماعات التكفيرية المعاصرة، والتي غدت تمثل موجة عامة وحملت سيف البغي والعدوان وشهرته بوجه مخالفيها في العقيدة والمذهب، الأمر الذي شوه صورة الإسلام النقية، وأضعف المسلمين وحول بأسهم بينهم وجعلهم ملط متناحرة وفرقة متناثرة.

إن خروج الأمة الإسلامية من نفق التكفير والتكفير المضاد وتداعيات ذلك على واقعها لن يكون ممكنا إلا بعد الاتفاق على ضوابط الإسلام والكفر ورسم الحدود الفاصلة بينهما، فهذه هي البداية الصحيحة لمعالجة مشكلة التكفير، وعبثا نحاول التفتيش عن حلول وعلاجات خارج المراجعة الحقيقية لموجبات التكفير والتي توسعت فيها بعض المذاهب توسعة غير مبرر، فأخرجت معظم المسلمين عن دينهم وحکمت بهدر دمائهم واستحلال أموالهم، وإذا ما تستي لنا وضع ضوابط صحيحة وأسس محكمة لعملية التكفير فسوف نتمكن من محاصرة الظاهرة والتخفيف من مخاطرها، وهذا يحتم علينا أن نجد جوابا واضحة على السؤال التالي: ما هي الأصول التي يكون الاعتقاد بها شرطة لاعتبار الإنسان مسلمة، له ما للمسلمين وعليه ما عليهم، ويكون إنكارها ك؟ أو بعضا موجبة لخروجه عن الإسلام؟ |



إرسال تعليق

تعليق:

أحدث أقدم

نموذج الاتصال