التشدد سمة الضعف العقلي والفكري، ولو أن كل إنسان ادعى الوسطية وهو على حالة التصعيب والتنطع فلا يؤخذ كلامه من منطلق العقلاء ؛ لأن العاقل الأريب لا يتخذ من الوسطية ذريعة للتشدد والتضييق على عباد الله ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : «هَلَكَ المُتنَطِّعونَ. هَلَكَ المُتنَطِّعونَ. هَلَكَ المُتنَطِّعونَ».
الهلاك: ضد البقاء، يعني أنهم تلفوا وخسروا.
والمتنطعون: هم المتشددون في أمورهم الدينية والدنيوية، ولهذا جاء في الحديث: «لا تُشدِّدوا فيُشدِّدِ اللهُ عليكم»
ولما كان التشدد مفسدة للحياة وجمالها، فهو أيضًا مهلكة للدين ؛ فالتشدد في الدين قرين الإفساد في الأرض وإذهاب بهجتها، لأن المتشدد يتخذ الدين دليلا على إفساده ومفسدته؛ والدين منهم براء!
وقد أبدع الشيخ علي جمعة حين ألف كتاب "الـمـتـشـددون .. منهجهم ومناقشة أهم قضاياهم " في بيان زيف وزيغ هؤلاء الشرذمة الذين لطالموا أتعبوا فؤاد العامة من الناس ممن لا يقدر على الاسقلال الفكري والفقهي.
يقول الدكتور علي جمعة في كتابه :
(ومن خصائص هذا الفكر الانعزالي التشدد، فهو يرى أن الحياة خطيئة، وأنه يجب علينا أن نتطهر منها، وأن التطهر منها يكون بالبعد عن مفرداتها، سواء أكانت هذه المفردات هي الفنون أو الآداب أو كانت هذه المفردات هي المشاركة الاجتماعية أو حتى تعلم أساليب اللياقة، فتراه يتمتع ويتفاخر بالخروج عن الحياة، لكنه لا يستطيع أن يفعل ذلك بصورة تامة.
ولذلك نراه في تناقض شديد، فيفعل أشياء، ويمتنع عن أشياء هي من جنس واحد متبقا في ذلك هواه، مما يكون عنده عقلية الانطباع والهوى، وهي عقلية تخالف العقلية العلمية، وتخالف المنطق المعروف الذي به قوام الاجتماع البشري، ومن هنا يكون متعبا في تلقيه التفكير المستقيم، ومن هنا أيضا نراه متمردا منعزلا لا يثق في العلماء، ولا يثق إلا في طائفة قليلة تجارية في هواه، وهذا يمنعه من تلقي أي رسالة معرفية اجتماعية).