الــشك الســوفسطائــي.. بــروتاجوراس وجــورجياس نموذجا


لم يُعرف "الشك" كمذهب له رواده إلا في العصر اليوناني، طبعًا كانت هناك قبله آراء وأقوال شكية؛ لكنها كانت آراء فردية خاصة ببعض الأفراد فقط "فـلم يحفظ لنا التاريخ الإنساني وجوداً لمشكلة الشك وما يتعلق به من مشاكل المعرفة والوجود قبل الحضارة اليونانية حيث كـان اهتمـام الحضارات الأخرى منصباً على البحث في ماهية الكون وما يتعلق بـه كالموت والحياة الأخرى، ولم تول الجانب المعرفـي الاهتمـام الكـافي والعناية الكبيرة" (1)

فكما هو معروف أن أول من تفلسف هم اليونان، صـحيح أنـه كانت آراء متناثرة وحكم شعبية وأسـاطير وغيرهـا لـدى الصـينين والأشوريين والبابليين والهنود ، لكن كل ذلك لم يضم في نسيج واحد، ولم يقم به مذهب أو مدرسة تدافع عنه وتنظر له كما عند اليونان.

إضافة إلى أنه لم يكن هناك اهتمام بجوانب التـدوين والتـأريخ ، بعكس حضارة اليونان التي نقل إلينا الكثير من مدوناتهم ومؤلفاتهم مع ما حصل في عهدهم من اهتمام بقضايا المعرفة ومشكلاتها والتي لها تعلـق كبير بالشك.

ولكن حتى بدايات العصر اليوناني كان الشك لم يزل لا يمثل مذهبًا له رجاله واتباعه، فقد ظهرت آراء لفلاسفة اليونان قبل السوفسطائيين تدعو للشك كقول هيراقليطس الذي يقول " إن كل الأشياء في تغير مستمر ، فأنت لا تنزل في النهر الواحد مرتين لأن مياهاً متجددة تجري من حولك باسـتمرار "(3). وعلى هذا فهو ينفي معرفتنا بالأشياء على وجه اليقين والدقة لأنها فـي تغير واستمرار.

لكن ما ننبه عليه أن الشك كحركة متَّبعة لم يكن موجودًا قبل السوفسطائية.


يعبر الشك عن حالة من التردد بين نقيضين لا يرجح العقل أحدهما على الآخر لوجود أسباب وجيهة لقبول كل منهما وأسباب وجيهة لرفضها، ويتصل الشك بنظرية المعرفة لأنه يفترض عدم قدرة العقل البشري على تحصيل المعرفة في كل شيء.

ويمكننا أن نحدد المصطلحات كالاتي:
جهل : وهو عدم الإدراك للمعلوم أصلا.
شك :وهو التردد بين النقيضين بلا مرجح.
ظن: وهو التردد بين النقيضين مع وجود مرجح لا يصل لحد اليقين.
يقين : وهو الاعتقاد الجازم في الحقيقة.(2)

وما يهمنا هو الشك المطلق أو المذهبي؛ وهو الذي يُقصد لذاته، وهو موضوع بحثنا، وأهم رواده في العصر اليوناني هم السوفسطائيين بقيادة بروتاجوراس وجورجياس.

ونحاول أن نجيب على إشكالية بحثنا من خلال ثلاثة أسئلة مهمة:
ما هو الفرق بين الشك المنهجي الهادف والشك المذهبي الهادم؟
وهل شك السوفسطائية كان شكا هادفا؟
وهل يصح اعتبار الشك السوفسطائي سبيلا سليما للوصول إلى المعرفة ؟

الشك قبل السوفسطائية

كان أول ظهور للشك في الحضارة اليونانية عبارة عن مقولات وآراء حفظت عند بعض الفلاسفة المتقدمين ولكنهم في الجملة لم ينادوا بالشـك المطلق أو لم يكن لهم تراث فلسفي يعتمد على الشك بشكل واضح

وكان من بين هؤلاء الفلاسفة الذين تبلورت مناهج الشك عندهم في صورة المنطق الصوري قبل أن يُعرف:
- "أكسينوفان" وهو فيلسوف يوناني ولد في آسيا الصغرى واستقر في مدينة " إيليا" جنوب إيطاليا. وينسـب اليـه البعض تأسيس الفلسفة الإيليائية. (1)
- و"بارميندس" فيلسوف يوناني ولد في إيليا جنوب ايطاليا وفد على أثينا وهو في سن الخامسة والستين ومن أبرز مؤلفاتـه كتاب " في طبيعة الأشياء.(2)
- و"ميلسيوس" لم تعرف سنة ولادته و وفاته على التحديد ولكنه كان مشهوراً في عام (٤٤٢-٤٤١ق.م). (3)


لكن كان هيـراقليطس على رأس هؤلاء الشاكين ، فهو أشهرهم؛ ولذا كانت آراءه تدل على أن المعلومات التي تأتي عن طريق الحـواس لا تكفـي للوصول إلى الحقيقة ، وأن حقيقة الأشياء تخفـى علينـا، لأن الأشياء ليست كما تبدو لنا؛ فهي لها ظاهر وباطن على حد زعمه!
يُعد هيراقلييطس(4) الجد الأول للفلسفة السوفسطائية (الشكية) لأنه قال بالتغير والصيرورة مما يقتضي أن يكون الشيء هو وغيره في نفس الوقت.

وكان يقول : " إن كل الأشياء في تغير مستمر ، فأنت لا تنزل في النهر الواحد مرتين لأن مياهاً متجددة تجري من حولك باسـتمرار " (5)


تعقيب ونقد
1. قال هيرقليطس بالصيرورة والتغير الدائم، وهذا يقتضي أن كل كائن جزئي هو كذا وليس كذا في آن واحد، وبهذا لا يستطيع أحد وصفه بأية خصائص دائمة.
كما يترتب على قوله استحالة العلم ، وهكذا مُهد الطريق للسوفسطائيين ليتخذوا من الشك منهجا لهم .
2. قال هيرقليطس بقانون عام يتحكم في الأشياء سماه بــ "اللوغوس"، وهذا يتضارب مع قوله بالصيرورة والتغير المستمران؛ لأن رأيه الثاني يقتضي العشوائية اتفاقًا وتماشيًا مع منهجه، فكيف يوجد قانون منظِم في ظل العشوائية! (1)

الشك عند بروتاجوراس

يُعد بروتاجوراس (487 ق.م - 420 ق.م) زعيم الفكر السوفسطائي اليوناني في القرن الخامس قبل الميلاد. فالفلسفات العظمى التي ظهرت قبل سقراط، قد قابلتها في النصف الثاني من القرن الخامس قبل الميلاد موجة من الشك ،كان بروتاجوراس كبير السوفسطائيين أحد أهم أعلامها.
كان بروتاجوراس من أقوى الشخصيات في الحركة السفسطائية التي أثرت في المجتمع اليوناني، فتأثيره كان في رجال الحكم والدهماء أكثر منه في المثقفين، لذلك هز القاعدة الشعبية بعنف، وأثارها على سقراط وأتباعه مما أدى إلى صدور حكم بإعدام سقراط.(1)

و هذا المصطلح (السوفسطائية) أصله يوناني ؛ ويعني: الحكمة، والسوفسطائي هو الحكيم أو المُعلم. فقد كان السفسطائي رجلا يكسب عيشه من تعليم الشباب بعض الأشياء التي كان يظن أنها قد تنفعهم في حياتهم العملية.
ولكن هذا المعنى الإيجابي لكلمة السوفسطائية ما لبث أن لحقه التحقير والإهانة نتيجة لسلوك السوفسطائيين القائم على "الجدل والخداع" .

ولما لم تكن الدولة تخصص عندئذ من مالها شيء لمثل هذا التعليم، فقد كان السوفسطائيون يوجهون خدماتهم لمن كان بمقدوره دفع أجورهم من الطبقة الارستقراطية والميسورة في أثينا، وهذا كان من شأنه تكريس الفوارق الطبقية والثقافية بين أبناء المجتمع الإغريقي ، فقد أحس الفقراء بالبغضاء والحسد تجاه نظرائهم الأغنياء.

ولم يقتصر دور السوفسطائيون على تعليم الميسورين بل والنيابة عنهم في ساحات القضاء فقد كان بمقدورهم التلاعب بالكلمات وإلباس الباطل ثوب الحق وتحويل الحق إلى باطل ما دام هناك مقابل مالي، لهذا أنفق بروتاجوراس حياته يحاضر كلما مر من مدينة من مدن اليونان، ويعلم مقابل أجر كل من أراد لنفسه مهارة عملية وثقافة عقلية عليا .(2)

نشأ السوفسطائيون أول وقت كانت الديمقراطية هي النظام الحاكم في بلاد اليونان.. فانقلبوا معلمين لمواهب اللسان. وقد ساعد في نشأتهم ما وجد من تضارب في الآراء السابقة خاصة ما يتعلق بالكون ، مما أدى إلى الشك.

كما ساعد أيضًا في وجودهم بعض الفلاسفة الذين ذهبوا إلى تعدد الآلهة ، كما ذهب البعض أيضًا إلى القول بوجود إله واحد.(1)

كان الدور الأكثر خوضا فيه من قبل السوفسطائيين هو المفاخرة بتأييد القول الواحد ونقيضه على السواء، فاهتموا بالنظر في الألفاظ ودلالتها وغضوا الطرف عن المضمون ومصداقيته. ولهذا كان الحس هو مصدر المعرفة عند السوفسطائيين .

كانت أشهر مذاهب السوفسطائيين مذهبان:
1. مذهب العندية، ويقصدون به أن هذا الشيء حق عندي. وهذا المذهب يُنسب إلى بروتاجوراس.
2. ومذهب العنادية، وهم الذين يكابرون وينكرون وجود الأشياء جميعها. ونُسب هذا المذهب إلى الفيلسوف جورجياس.(2)

أنكر بروتاجوراس حقائق الأشياء، وذهب إلى أن الحقيقة أمر اعتباري نسبي؛ فما هو حسن في رأيي قد يراه غيري قبيحًا. والشيء الخيّر بالنسبة لي يجب عليَّ أن أفعله إن رآه كل الناس شرًا، ولذلك قال عبارته الشهيرة "إن الإنسان مقياس كل شيء ،فهو مقياس أن الأشياء الموجودة موجودة ،وان الأشياء غير الموجودة غير موجودة "(3)

لكنه لم يرد بالإنسان المعنى الكلي للعموم بل أراد به الفرد المشخص المعين.

ويُفَسَّر هذا القول بأنه يعني أن كل إنسان هو مقياس الأشياء جميعا، فليس هناك حقيقة موضوعية يمكن الرجوع إليها، لتصويب المصيب وتخطيء المخطئ، والمذهب في جوهره مذهب متشكك وهو في اغلب الظن مبني على خداع "الحواس"(1)

وهكذا عمل بروتاغوراس على إمكانية الإقناع برأيين متعارضين في الشيء الواحد، وبذلك توصل إلى استنتاج متطرف مفاده «كل شيء حقيقة»!

وقد عارض أفلاطون وأرسطو استنتاجات بروتاجوراس فقال أرسطو في الخطابة: "إن أقوال بروتاجوراس هي وهم وخداع، وتبدو أقوالاً متطرفة، وليس لها أي مقام في أي فن من الفنون، باستثناء الخطابة".(2)

تعقيب ونقد لفكر بروتاجوراس
وقد وقع بروتاجوراس في هذا التخبط الشكي نتيجة لإرجاعه مصدر المعرفة إلى "الإحساس" ، لأن الأفراد يختلفون في السن والشعور والتكوين والملكات العقلية والفكرية والثقافية.. وما دام الأمر هكذا فإن الحقيقة ليست ثابتة؛ لأنه مثلًا "الهواء" يشعر به شخص حارًا ويشعر به آخر باردًا، وما هو خير للبعض قد يراه الآخر شرًا عنده، ومن هنا فالحقيقة اعتبارية نسبية، وهكذا فهي تتعدد ؛ وعليه فـــلا شيء اسمه حق وباطل، أو بالأحرى صواب وخطأ!


الشك عند جورجياس

تتلخص فلسفته في قضاياه الثلاث حول نفي الوجود ، وفيها يبرز تطرفه وجدله، وقد ضمنها كتابه "اللاوجود" وهي كالتالي:
- القضية الأولى : لا يوجد شيء، فالموجود غير موجود واللاوجود كذلك .
- القضية الثانية : إذا وجد شيء فلا يمكن معرفته أو إدراكه.
- القضية الثالثة : إذا أمكن إدراكه أو معرفته ، فـلا يمكـن نقلـه للغير.

وإننا لنلمح هذا في قوله: "لا شيء موجود، وانه إن وجد شيء فليس هو بممكن المعرفة، وانه حتى لو فرضنا جدلا أن ثمة شيء موجود، وان شخصا ما أتيح له أن يعرفه، فيستحيل عليه ان ينقله إلى الآخرين" (1)

ويسوق جورجياس حججاً كثيرة في محاولته للبرهنة على هـذه القضايا يمكن إجمالها على النحو التالي(2):
الأولى : أن هذا الوجود إما أن يكون أزلياً أو محدثاً فإن كـان أزلياً فهذا يعني أن ليس له مبدأ، وأنه لا متناه ، ولكنه محوي بالضرورة في مكان ، فيلزم أن مكانه مغاير لـه وأعظم منه ، وهذا يناقض كونه لا متناهياً ، وإذن فليس الوجود قديما.
أما إن كان حادثاً، فإما أن يكون حدث بفعل شيء غير موجود، وهذا واضح الامتناع، أو أن يكون حدث بفعل شيء موجود وعلى هـذا لا يصح أن يقال إنه حدث ؛ لأنه كان وجوداً في الشيء الذي أحدثه.
الثانيـة : يرجع السبب فيها إلى خداع الحواس وتركيبها صوراً متخيلة لا حقيقة لها في الواقع.
الثالثة : يرجع السبب فيها إلى أن وسيلة نقل المعرفة إلى الناس هي اللغة، واللغة إشارات وضعية ورمـوز ليسـت مشـابهة للأشـياء المفروض علمها في الواقع ، فالناقل ينقل الألفاظ ولا ينقل الأشياء ، فاللغة والوجود عنده دائرتان مختلفتان.


تعقيب ونقد لفكر جورجياس
رأى الأثينيون أن هذا المذهب الشكوكي خارج عن الأخلاق ، ففي الكتاب الأول من الجمهورية يحاج "تراسيماكوس" بأنه لا معنى للعدل إلا مصلحة الأقوى، وأن القوانين تسنها الحكومات لمصلحتها، وأنه ليس هناك مقياس موضوعي يمكن اللجوء إليه إذا ما نشب صراع على السلطة.

وبناء على قول جورجياس: "لا شيء موجود، وانه إن وجد شيء فليس هو بممكن المعرفة، وانه حتى لو فرضنا جدلا أن ثمة شيء موجود، وان شخصا ما أتيح له أن يعرفه، فيستحيل عليه ان ينقله إلى الآخرين"
فإنه ينكر الوجود الموجود، وينكر معرفتنا للشيء الموجود؛ فكل ذي عقل فينا يستطيع أن يعرف ويدرك ما يأكله أو يفعله في حياته اليومية، كما أنه هدم العلم والتاريخ والعلوم التي انتقلت إلينا عندما قرر أن الشيء يستحيل أن يُنقل إلى الغير؛ في حين أن جل العلوم قد نقلت إلينا وعلى غرارها توسعت دائرة معارفنا وفنوننا.
ومع ما يُــقال عن السوفسطائيين من أنهم أشعلوا موقد الفكر ومهدوا للمنطق والأخلاق؛ إلا أن هذا شيء لا يعول عليه فــــهم -كما يُعبر الدكتور يوسف كرم(1)- كادوا يقضون على الفلسفة لولا أن أقام الله سقراط ينتشلها من هذه الورطة المُهلة!


الخلاصة
مما سبق نجد أن مبادئ الشك السوفسطائي العامة هي:


1. أن الحواس وسيلة المعرفه وليس العقل.
والحواس تختلف من فرد لآخر لذلك لن نجد حقيقه واحده ثابته فيؤدي ذلك الى عدم وجود معيار للصواب والخطأ وتتحول الحقائق نسبية فردية متغيرة من فرد لآخر.


2. الإعتماد على مبدأ التناقض من خلال اثبات صحة الرأي ونقيضه في نفس الوقت معتمدين على التلاعب بالالفاظ والمغالطه.


3. اهداف الشك السوفسطائي:
- لكسب المالي من خلال تعليم الشباب الدفاع عن المتهمين في المحاكم.
- التسليه والسخريه.واثبات ان العقل البشري عاجز عن معرفة الحقيقه.
- (بروتاجوراس) اشهر واكبر شخصيات السوفسطائيه، وقد انصب شك بروتاجوراس على جانبين هما:
_ (الشك في الدين) فرفض بروتاجوراس الدين الوثني الذي كان موجوداً في عصره. والف كتاب عن الآلهه التي كان يعبدها اليونانيين قبل ظهور المسيحيه واسماه (الحقيقه) رفض فيه وجود الآلهه قائلاً ( لا استطيع أن أعلم اذا كانت الآلهه موجوده ام لا)!
لذلك هاجمه اليونانيون واحرقت السلطات كتبه فإضطر للهرب.
_ (الشك في المعرفه) فشك في المعرفه الإنسانيه وقال عبارته المشهورة " الإنسان -الفرد- مقياس كل شيء" ، فالإنسان مقياس إن الأشياء الموجودة موجودة وإن الأشياء الغير موجودة غير موجودة.


4. فرق بين الشكّ المنهجي والشك المطلق:
1- الشك المطلق
المقصود به في الفلسفة الشكية هو المذهب الذي يتخذ من الشك غاية وهدفًا له لا يسعى لغيره، وقد أطلق على مذهب البيرونية القديم، ويعتقد هذا المذهب في أن الشك مطلق في كل الحقائق، وينظر أصحاب هذا المذهب إلى الحقيقة باعتبارها ممكنة وليست مستحيلة، لكن في الوقت نفسه فهم يقولون أن كل شيء قابل للتشكيك، وكانت الشكية المطلقة ضرورية ربما في مرحلة أولى من مذاهب الفلسفة الشكية عامة، لكن مع تطورها والجدالات التي دارت والعصف الذهني بين الفلاسفة المهتمين بالمسألة عامة، ظهر عيوب في النظرية وفي اعتقاد الشك المطلق، وبدأت تتطور النظرية لشك ويقين، ومذاهب شكوكية مختلفة.
ويلخص هذا تعريف الدكتور توفيق الطويل في بقوله: "الشك الذي يتضمن استحالة المعرفة ، وانعدام الثقة في أدواتها ، ويكون في ذاته غاية لا وسيلة فيبدأ صاحبه شاكاً وينتهـي شاكاً ، وهو يتفادى الخلافات التي تثور بين العلماء والفلاسفة فيلجأ للأمان ويؤثر الترجيح أو الاحتمال أو التوقف عن إصـدار الحكـم، وذلك حسب التوجه الفلسفي المنبثق منه هذا الشك"(1)
كما يرى اصحابه استحالة قيام المعرفة - حيث خلُص غورغياس الى ان لايمكن معرفة شي وحتى لو أمكن معرفة الشيء لايمكن نقله للآخرين
وللمشككين حجج منها: "خداع الحواس" – "اختلاف آراء الناس" – "تعذر وجود البراهين القاطعة".
2- الشك المنهجي
هي مرحلة مؤقتة أو تجربة عابرة يمر بها الباحث عن الحقيقة عند انتقاله من الجهل الى المعرفة ،وقد يقع بها الباحث مكرهاً لنقص الأدلة والبراهين.
وقد أسهم حديثا "ديكارت" في الشك المنهجي حيث استهدف في شكه الوصول الي اليقين وأسباب الشك لديه أنه يلزم أن نضع موضع الشك جميع الأشياء بقدرالأمكان ويبرر الشك أنه تلقى كثيرا من الآراء الباطلة وحسبها صحيحة فكل ما بناه منذ ذلك الحين من مبادئ على هذا القدر من قلة الوثوق لا يكون إلا مشكوكا فيها إذن يلزم أن نقيم شيئا متينا في العلوم أن نبدأ بكل شئ من جديد وأن توجه النظر إلى الأسس التى يقوم علينا البناء مثال المعطيات الخاصة للحواس فالحواس تخدعنا أحيانا والأفضل ألا نثق بها أما الأشياء العامة كالعيون والرؤوس والأيدي التى يمكن أن تتألف منها الخيالات يمكن ان تكون نفسها خيالية محضة.
إن الشك الذي أراده ديكارت هو وقفة عقلية يحاول فيها الذهن تنقية أفكاره وتمثلاته فقد اعتاد الناس بحكم فطرتهم على الثقة في حواسهم، لأنّهم يفترضون وجود العالم الخارجي دون الحاجة إلى الاستخدام العقليّ.

وإني لأرى أن هذه الآراء قد لقيت رواجا في عصرنا الحالي أكثر مما لقيته في العصر القديم.
ويمكن ان نقول ان السوفسطائيون قد اصطنعوا مذهبا لم يكن في رايهم ذا صلة بالدين او الأخلاق، فقد كانوا يعلمون فن النقاش وكل ما عسى أن يعين على هذا الفن من ألوان المعرفة.

وكانوا على استعداد ليعلموا تلامذتهم فن الدفاع عن آرائهم بغض النظر عن صحتها أو بطلانها لأن الغرض هو افحام الخصوم؛ فالحقيقة نسبية وليست مطلقة وأن مصدرها هو الإنسان لذا فهي تتغير تبعا لمصالحه وشهواته، لذا أصبح حري بالفرد أن يجذب الغير إلى جانبه وأن يؤثر في أصحاب القرار بما تقتضيه مصلحته الخاصة.


*************************

المصادر:
1. الشـــك - أسبابه وآثاره وعلاج الإسلام له ، دراسة مقدمة لقسم العقیدة في كلية أصول الدين بالأزهر لنیل درجة الماجستیر في العقیدة. إعداد الطالب أحمد بن إبراھیم محمد سامه عسیري.
2. محاضرات في الفلسفة القديمة، فيصل بدير عون.
3. المنهج الفلسفي بين الغزالي وديكارت، محمود حمدي زقزوق.
4. محاورة جورجياس، تأليف أفلاطون ترجمة زكي محمود نجيب.
5. محاورة بروتاجوراس، تأليف أفلاطون ترجمة عزت قرنى.
6. تاريخ الفلسفة القديمة، يوسف كرم.
7. الدين عند الإغريق والرومان والمسيحين، أبكار السقاف.
8. الفلسفة اليونانية أعلام وقضايا، الدكتور رضا الدقيقي.
9. التيارات الفكرية المعاصرة والحملة على الإسلام لـ د محمد شيخاني.


الهوامش:
(1) الدين عند الإغريق والرومان والمسيحين، أبكار السقاف، صـ16-20،الطبعة الأولى، دار الانتشار العربي لبنان 2004م.
(3) . يوسف كرم ،تاريخ الفلسفة القديمة،صـ318، طبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر 1936م.
(2) الشـــك - أسبابه وآثاره وعلاج الإسلام له، أحمد عسيري صــ18، موقع دراسات بحوث المعوقين.
(1) انظر ": تاريخ الفلسفة اليونانية " : ماجد فخري .
(2) نفس المصدر.
(3) انظـر تـاريخ نية الفلسفة اليونا : مصطفى النشار.
(4) فيلسوف يوناني ومن أبرز شعرائها ولد في أفسوس في آسيا الصغرى وهو من أسرة أرستقراطية ينسـب إلى الفلاسفة الطبيعين ومما ورد من مؤلفاته " في الطبيعة " و " في الكل".
(5) مدخل إلى الفلسفة بنظرة اجتماعية : عبد المجيد عبد الرحيم .
(1) الفلسفة اليونانية، أعلام وقضايا، الدكتور رضا الدقيقي صـــ137.
(1) التيارات الفكرية المعاصرة والحملة على الإسلام لـ د محمد شيخاني صــ 135 وما بعدها.
(2) الفلسفة اليونانية رضا الدقيقي صـــ 138.
(1) نفس المصدر.
(2) نفس المصدر.
(3) نفس المصدر.
(1) الشـــك - أسبابه وآثاره وعلاج الإسلام له، أحمد عسيري.
(2) نفس المصدر.
(1) ) تاريخ الفلسفة القديمة، يوسف كرم صــ61.
(2) نفس المصدر.
(1) تاريخ الفلسفة القديمة، يوسف كرم صـ62.
(1) أسس الفلسفة توفيق الطويل.


1 تعليقات

تعليق:

أحدث أقدم

نموذج الاتصال