السحر بين الخرافة والواقع!



((إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا))

السحر في اللغة:


عبارة عما لطف وخفي سببه . ولهذا جاء في الحديث: "إن من البيان لسحرا".


وسمي "السحور" لكونه يقع خفية آخر الليل.


والسحر : الرئة، وهي محل الغذاء، وسميت بذلك لخفائها ولطف مجاريها إلى أجزاء البدن وغضونه، كما قال أبو جهل یوم بدر العتبة : انتفخ سحرك. أي : انتفخت رئته من الخوف.


وقالت عائشة ، رضي الله عنها : توفي رسول الله بين سحري ونحري، وقال: (سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ)، أي أخفوا عنهم عملهم.(1)


وأصول السحر ثلاثة:

الأول - زجر النفوس بمقدمات توهيمية وإرهابية بما يعتاده الساحر من التأثير النفساني في نفسه ومن الضعف في نفس المسحور ومن سوابق شاهدها المسحور واعتقدها فإذا توجه إليه الساحر خر له وإلى هذا الأصل الإشارة بقوله تعالى في ذكر سحرة فرعون "سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ".

الثاني - استخدام مؤثرات من خصائص الأجسام من الحيوان والمعدن وهذا راجع إلى خصائص طبيعية كخاصية الزئبق، ومن ذلك العقاقير المؤثرة في العقول صلاحها أو فسادها والمفترة للعزائم والمخدرات والمرقدات على تفاوت تأثيرها وإلى هذا الإشارة بقوله تعالى في سحرة فرعون « إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ ».

الثالث - الشعوذة واستخدام خفايا الحركة والسرعة والتموج حتى بخيل الجماد متحركا، وإليه الإشارة بقوله تعالى «يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَىٰ » .

هذه أصول السحر بالاستقراء وقد قسمها الفخر في التفسير إلى ثمانية أقسام لا تعدو هذه الأصول الثلاثة وفي بعضها تداخل . وللعلماء الأفرنج تقسيم آخر ليس فيه كبير جدوى.(2)


وأما ما يلزم في المسحور عدة أشياء، وهي:


1. ضعيف العقل
2. ضعف العزيمة
3. لطافة البنية
4. جهالة العقل


ولذلك كان أكثر الناس قابلية له: النساء والصبيان والعامة ومن يتعجب في كل شيء.


ولذلك كان من أصول السحر إلقاء أقوال كاذبة على المسحور لاختبار مقدار عقله في التصديق بالأشياء الواهية، والثقة بالساحر ،ثم تحف بالسحر أعمال القصد منها التمويه وهذه الأعمال أنواع.(3)


اختلف الأئمة فيمن يتعلم السحر ويستعمله:

فقال أبو حنيفة ومالك : يكفر بذلك.


وبعض أصحاب أبي حنيفة فصّل، فقال : إن تعلمه ليتقيه، أو ليتجنبه، فلا يكفر، وإن تعلمه معتقدة لجوازه، أو أنه ينفعه، فإنه يكفر.

وقال الشافعي: إذا تعلم السحر قلنا له: صف سحر، فإن وصف ما يوجب الكفر، مثل ما اعتقده أهل بابل من التقرب إلى الكواكب السبعة ، وأنها تفعل ما يلتمس منها، فهو كافر، وإن كان لا يوجب الكفر، فإن اعتقد إباحته ، كفر، وإلا فلا.

وقال أحمد: الساحر الذي يركب المكنسة، فتسير به في الهواء ، ونحوه؛ كالذي يدعي أن الكواكب تخاطبة، يكفر، ويقتل هو ومن يعتقد حله، فأما الذي يسحر بالأدوية والتدخين وسقي شيء يضر، فلا يكفر ، ويعزّر.


ويقتل بمجرد تعلمه واستعماله عند مالك، وإن لم يقتل به.(4)

فالسحر في أعلى صوره وأدناه يؤثر في النظر، فيجعل الرائي يتخيل غير ما يرى، ولا يمكن أن يعرف الحقائق، فالحبال حبال، وإن بدت ثعابين.

وإن هذه الأوصاف تتفق الآن مع الاستهواء الذي يفعله بعض الناس بالتأثير في غيرهم وتوجيه مشاعرهم وأهوائهم، والسيطرة على خواطرهم، ويمسحون أفكارهم، وهو ما يسمى بالتنويم المغناطيسي الذي يفعله كبار المجرمين الآن، ولاحول ولا قوة إلا بالله .(5)


ونرى أن السحر تأثير في الأعين المبصرة، وليس تغيير للحقائق الواقعة فلا يكون تغييرا، ولكن يكون تأثيرا في العيون، ولكنه تأثير نفسي قبل أن يؤثر في العين؛ ولذا قال تعالى "سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ".

أي اتجهوا إلى إلقاء الرهبة في قلوبهم؛ ولذا جاء في سحر بابل أرض السحر أنه لا يؤثر في النفوس إلا بما يسبق إليها من تصديقه.(6)

((وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا))

______________________________

الهوامش:

(1) (تفسير ابن كثير صــ179).
(2) (التحرير والتنوير صــ635).
(3) (التحرير والتنوير صــ633).
(4) (فتح الرحمن في تفسير القرآن جـ1، صــ162).
(5) (زهرة التفاسير صـ340).
(6) (زهرة التفاسير صـ339).


إرسال تعليق

تعليق:

أحدث أقدم

نموذج الاتصال