ألف اختراع واختراع – التراث الإسلامي في عالمنا pdf

 



 

لهذا الكتاب قصة ممتعة؛ ففي عام 1975 افتتن اللورد بودين (Lord BV Bowden) رئيس جامعة مانشستر للعلوم والتكنولوجيا University of Manchester (UMIST) Institute of Science and Technology

بالأسلوب الذي استخدمه المسلمون في إدارة عام يمتد من الصين إلى إسبانيا على مدى قرون. كان مما أثار اهتمامه على وجه الخصوص هو كيفية إدخال المسلمين مفهوم "المؤشر الاقتصادي في مكافحة التضخم الذي كان متفشية في أرجاء الإمبراطورية الرومانية، ثم أعلن في مجلس اللوردات (أعلى سلطة تشريعية في المملكة المتحدة ): إننا من أجل توجیه اقتصاد المملكة المتحدة الذي أفسده التضخم علينا أن نتعلم من خيرة المسلمين في إدارة اقتصاد العالم بلا تضخم، وأن ندرس المبادئ الاقتصادية التي تضمنها القرآن قبل 1400 سنة.

 

وباشر اللورد بودين بإنشاء "معهد تاريخ العلوم والتكنولوجيا والتجارة الإسلامية". وكلفني بهذه المهمة أنا ومجموعة من أساتذة جامعة مانشستر وعدة شخصيات مرموقة. لكن لم يلبث اللورد بودین آن توفي عام 1989 ودفنت معه تلك المبادرة. وعلى الرغم من أنها لم تزدهر طويلا، لأسباب خارجة عن نطاق الجامعة فقد منحتني فرصة لقاء المؤرخين والعلماء خارج نطاق تخصصي في علم الهندسة، والأهم من ذلك أنها كشفت الي قلة إدراكهم لتقاليد الثقافات الأخرى وتراثها. ومضى زمن، فلما كان عام 1993 قابلني البروفيسور دونالد کاردويل (Donald Card : vell )، رئيس قسم تاريخ العلوم والتكنولوجيا ومؤسس متحف العلوم والصناعة في مانشستر، متحلية بالروح التي تحدث بها اللورد بودين، قائلا: "يا سليم" (وهو اسمي الأول)، إن فترة ألف سنة ضاعت من تاريخ الهندسة، وهي فترة نسميها "العصور المظلمة، إلا أن غالبية المعرفة.

المفقودة منها بقيت موجودة في المخطوطات العربية التي تملأ أقبية العديد من المكتبات الشهيرة، وأنت أستاذ

هندسة متميز في جامعة شهيرة، وتعرف اللغة العربية لذلك فأنت خير من يقوم بملء هذه الفجوة"

دفعني نداء الصحوة ذاك إلى الولوج في معترك البحث الذي غير مجرى حياتي. وتلك بداية قصة هذا الكتاب. وقبل تلبية هذا النداء استشرت كثيرا من الأصدقاء وبحثت في كتب ودوريات عديدة: كتاب بعد کتاب دورية إثر دورية، وكلها أظهرت هذه الفجوة العجيبة. ولنأخذ، على سبيل المثال، الكتاب النموذجي الشعبي الشائع حينذاك بعنوان "صانعو التكنولوجيا منذ العصور الأولى حتى يومنا هذا

Day) للكاتبين أنتوني فيلدمان (Anthony Feldman) وبيتر فورد (Peter Ford) الذي نشرته في لندن عام 1979م شركة "ألدوس بوکس المحدودة" (Aldus Books Ltd). يوضح المؤلفان أن الكتاب يعرض العلوم الإنسانية والتقدم التكنولوجي بتسلسل تاريخي منذ اختراع الطباعة المتحركة حتى اكتشاف البنسلين penicillin). أما أسماء المخترعين العظام الذين خصصت لهم فصول قصيرة، فقد نظمت وفق تسلسل تاريخي على النحو الآتي إيمبيدوكليس (Einpedocles) نحو (490-430 ق.م ديموقر يطوس (Dernocritus) 460()37 ق.م، أبقراط ( 377 - 460 ق.م، أرسطو 383-322 ق.م؛ أرخميدس

(Archimedes) 212287 ق.م يوهانس غوتنبرغ (Johannes Gutenberg) (1400 - 1468 م. ثم اتبعوا بآخرين مثل دافنشي (Da Vinci)، إلخ.. كانت قفزة ألف وستمئة سنة من زمن أرخميدس إلى يوهانس غوتنبرغ قفزة مذهلة ومزعجة في الوقت نفسه.

 

ويكشف التوغل في القراءة أن الفترة كلها من عام (450م حتى عام 1492م مرت بوصفها "عصورة مظلمة غاب عنها كل ما يتعلق بالعلم والحضارة. أطلق المؤلفان على تلك الفترة مصطلحات متنوعة، مثل: "العصر الوسيط، فترة انتقالية، القرون الهمجية و الأكثر إرباكا هو استخدام مصطلح "الزمن الغامض" بعض الكتب تتحدث قليلا عن الرومان، ولكنها مازالت تقفز فوق ألف سنة من التاريخ. والأكثر مدعاة للقلق هي الفجوات الموجودة في الكتب المدرسية وبعض مصادر التعليم التي تشكل وجهات نظر الطلبة ومفاهيمهم عن الثقافات الأخرى، فضلا عن ثقافاتهم هم أنفسهم. في 27 أكتوبر 1993 استمعت في مسرح شیلدونیان (Sheldonian) بأكسفورد إلى محاضرة قيمة للأمير تشارلز (Prince Cliarles)، ولي عهد المملكة المتحدة عنوانها "الإسلام والغرب". لقد سری کلامه في الحضور - وهو يتحدث إلى كوكبة من العلماء البارزين في إحدى قلاع الاستشراق، مسرى النار في الهشيم. إن الفقرة الآتية المقتطفة من كلامه تعزز ما عثرت عليه، قال:

إذا كان في الغرب سوء فهم كبير لطبيعة الإسلام، ففيه أيضا جهل كبير بما تدين به ثقافتنا وحضارتنا للعالم الإسلامي. إنه الإخفاق يضرب بجذوره، حسب ظني إلى قيود التاريخ التي ورثناها. لقد كان العالم الإسلامي في العصور الذهبية، من آسيا الوسطى حتى شواطئ الأطلسي، عالمة ازدهر فيه العلماء والمتعلمون. لكننا وبسبب نزوعنا إلى رؤية الإسلام عدوا للغرب وجدناه غريبة عنا في الثقافة والمجتمع والنظام العقائدي؛ فنزعنا إلى تجاهل علاقته الإيجابية بتاريخنا، بل إلى محوها يتدرب عموم الطلبة على تحليل الأفكار ونقدها؛ ولكنهم عندما يواجهون بفكرة عشرة قرون مظلمة في أوروبا، ويقال لهم إن التطورات التي ظهرت فجأة خلال عصر النهضة كما لو كانت بفضل معجزة، فإنهم يقبلونها كحقيقة مسلمة، وإن في هذا تحديا للمنطق

قضايا الاكتشافات والاختراعات والتطورات التي غيرت مسار الإنسانية، كما يدرك كل عالم، لا يمكن أن تظهر بالمصادفة، إن الأمر الطبيعي والجوهري هو استمرار التطور والتواصل في العلوم وفي حقول المعرفة كلها. وقبل وفاة الأستاذ کاردويل بقليل رتب لي إلقاء محاضرة في الجمعية الأدبية والفلسفية (Literary and Philosophical Society) بعنوان "إسهام المسلمين في العلوم والتكنولوجيا"، إن الحيرة والدهشة اللتين ظهرتا على وجوه الحضور من الأدباء والفلاسفة بعد المحاضرة عززتا عندي ما قاله الأمير تشارلز. وكنت، كلما حاضرت في الموضوع نفسه بعد ذلك شعرت كأنني أعور بين عميان. وكان أكثر ما يثيرني أن أرى افتتان الشباب بالتعرف إلى أسرار تخص تطور الحضارة المعاصرة. غير أنني اضطررت إلى أن أدع جانبا طموحي لتأليف كتاب في هذا الموضوع بسبب مسؤولياتي أستاذة الهندسة الميكانيكية في جامعة تغزوها قوى السوق العالمية، مع ضغوط المحاضرات وأعباء البحوث والتمويل والنشر علاوة على إدارة شركتين استشاريين وتشغيلها. وكان الحل العملي تکليف مؤرخين، وإطلاق مشروعات الأبحاث جامعية جديدة في مجال إعادة بناء افتراضي للآلات الهندسية القديمة. لقد أدى ذلك إلى استقطاب عدد من الأكاديميين والمهنيين الذين يشاركونني التفكير نفسه، مما أفضى إلى إنشاء مؤسسة العلوم والتكنولوجيا والحضارة ، وبدأت مادة الكتاب المأمول تظهر على موقع أنشأناه على شبكة الإنترنت.

 

اجتذب مقالات علمية رصينة محكمة من كتاب وباحثين مشهورين. وسرعان ما أصبح هذا الموقع الإلكتروني المحطة الأولى والمصدر الأساسي الذي يزود بالمعلومات العديد من معاهد التعليم والمدارس والمجموعات الإعلامية والشباب، في أنحاء العالم الناطق بالانجليزية. واجتذب نحو 50000 زيارة يومية

أثار موضوع إسهام المسلمين في العلوم والحضارة  اهتمامة شعبية كبيرة في أعقاب هجوم 11 سبتمبر/ أيلول 2001م على البرجين التوأمين المركز التجارة العالمية في نيويورك. غير أن المذهل حقا هو خطاب جريء ألقته بعد أسبوعين، وتحديدا في 26 سبتمبر/ أيلول، واحدة من أشهر سيدات الأعمال والمؤرخة المرموقة، السيدة | کارلتون فيورينا (Carleton Fiorina)، الرئيس التنفيذي لمؤسسة هیولیت با کارد آنذاك.

وهي أعلنت في اجتماع ضم مديري فروع المؤسسة من كافة أنحاء العالم ما يأتي استطاعت أعظم حضارة في العالم أن تقيم دولة عالمية عظمى تمتد من المحيط إلى المحيط ومن الأقاليم المناخية الشمالية إلى المناطق الاستوائية والصحاري، عاش في كنفها مئات الملايين من مختلف العقائد والأصول العرقية،  وغدت إحدى لغاتها اللغة السائدة في أغلب أقطار العالم، وأصبحت الجسر الذي يربط الناس في مئات البلدان. كان جيشها يتألف من قوميات عديدة وحققت بتفوقها العسكري درجة من السلم والازدهار لم يعرفا من قبل، وقد امتدت تجارة هذه الحضارة من أمريكا اللاتينية إلى الصين وشملت كل مكان بينهما وكان الابتكار هو المحرك الأساسي لهذه الحضارة، إذ صمم مهندسوا المعماريون مباني استعصت على الخراب. ابتكر علماؤها الجبر واللوغاريتمات التي أدت إلى بناء الحواسيب و حل الشيفرة.

 

وفحص أطبائها جسم الإنسان واكتشفوا علاجات جديدة للأمراض. ونظر فلكيه في السماوات وسموا النجوم ومهدوا الطريق أمام استكشاف الفضاء والرحلات إليه، وأبدع كتابها آلاف من قصص الشجاعة والهوى والحكايات الساحرة. ونظم شعراؤها قصائد الحب، على حين غرق من كان قبلهم في الخوف من التفكير بمثل هذه الأمور.



 فهذا الكتاب إذا هو أحد ثمار مشروع "ألف اختراع واختراع" الذي بذل فيه جهد كبير.

 ولم يكن إتمام الکتاب إنجازة فردية، بل هو ثمرة جهود الذين ذكرت أسماؤهم في قائمة المساهمين في صفحات التقدير والامتنان. يحدد هذا الكتاب، بشكله الممتع، مظاهر حياتنا الحديثة المرتبطة باختراعات المسلمين، وهو مقسم إلى سبعة فصول، تعكس الأقسام السبعة معرض "ألف اختراع واختراع"، وهي: البيت، المدرسة، المستشفى السوق المدينة، العام، الكون. وكل منها يمثل مجالا من مجالات حياتنا التي انتفعت اختراعات المسلمين ومن بين الأهداف الأساسية التي نأمل بتحقيقها، نذكر: : رفع مستوى الوعي بألف سنة (من القرن السابع إلى القرن السابع عشر ميلادي) من التراث الإسلامي : خلق فهم وتقدير لإسهام المسلمين في تطوير العلوم والتكنولوجيا المعاصرة على نطاق العام. : إلهام الشباب المسلمين وغيرهم بإيجاد نماذج حياتية يحتذى بها في ميادين العلم والهندسة  .. وتشجيع مفهوم الابتكار العلمي والتكنولوجي وتعزيزه، بوصفه قناة إيجابية بناءة للتعبير عن معتقدات الفرد، بدلا من الانعزالية الدينية والتطرف، واستخدام الجذور الثقافية للعلوم في تقوية التماسك الاجتماعي والتقدير والاحترام بين الشعوب.

 

 ويحدونا الأمل في أن تتمكن، بمساعدة القراء، من إنجاز بعض هذه الأهداف النبيلة، إن لم يكن كلها.



هذا ما قاله البروفيسور سليم الحسني، المحرر المسؤول رئيس مؤسسة العلوم والتكنولوجيا والحضارة (FSTC) – عن هذا الكتاب الجميل!



إرسال تعليق

تعليق:

أحدث أقدم

نموذج الاتصال