من أعاجيب السور القرآنية سورة الحج


الحمد لله الذي جعل القرآن نورًا هدانا به من ظلمات الضلالة، ورحمة وشفاء من داء كل عمى وجهالة، وبعد؛ فإنه لما كان كتاب الله العزيز كذلك، وكانت حكمته عز وجل اقتضت انزاله على الأساليب العربية والمعاني اللغوية، وفيها العام والخاص والمجمل والمبين، والظاهر والمؤول، وما يحتمل وجهًا، وما يحتمل وجهين فأكثر، وما تتشابه فيه المعاني وتتعدد فيه الوجوه. لذلك فقد حمل حجة إعجازه في ذاته ليدل عليه الحائرين، ويأخذ بأيدي الشاردين لنور هدايته وكمال بيانه، لذلك اخترنا هذا الموضوع لنبين من خلاله عِظم القرآن وبلاغته وحسن عرضه للأشياء والحقائق.

خلق الله سبحانه وتعالى الأجنة كما جاء في سورة الحج


أجمل الله عز وجل أطوار خلق الإنسان في مواضع من كتابه وفصّلها في مواضع أخر؛ لبيان قدرته سبحانه وتعالى على البعث وغيره، فمن مواضع الإجمال قوله تعالى: (يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ) [الزمر: 6].

ومن الآيات التي أوضح الله فيها تلك الأطوار على التفصيل قوله تعالى في سورة الحج: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ) [الحج: 5].

وقد ذكر الله تعالى تلك الأطوار مع حذف بعضها في سورة غافر، فقال: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ) [غافر: 67].

والعلة في ذلك -والله أعلم- أنه لما كانت آيات سورة الحج جاءت في معرض الرد على منكري البعث اقتضت التفصيل في ذكر الأطوار كلها. قال الكرماني في “البرهان في متشابه القرآن”: “وفصّل في الحج فقال: (فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ – إلى قوله – وَمِنْكُمْ مَنْ يَتَوَفَّى) فاقتضى الإجمال الحذف، والتفصيل الإثبات، فجاء في كل سورة بما اقتضاه الحال. والبلاغة الإيجاز والإطناب”.

قال الزمخشري -فيما نقله السيوطي في الإتقان-: “كما أنه يجب على البليغ في مظان الإجمال أن يجمل ويوجز، فكذلك الواجب عليه في موارد التفصيل أن يفصل ويشبع”.

إنّ القرآن الكريم لا يَخلوا مِنَ الإعجازات العلميّة العَظيمة والتي يَشهَدُ عليها العِلمُ الحديث، وَمِن هذِهِ المُعجِزات هِيَ خَلقِ الإنسان وَهُوَ فِي بطنِ أمّهِ، لذلِكَ هُناكَ مُعجِزَة علميّة فِي هذِهِ الآية والتي تتحدّث عَن طَورِ الإنسان مُنذُ بدايةِ خلقه إلى أن أصبح إنسانًا مُتكامِلًا، وهذا الإعجاز قَد تحدّى العلماء بالوصف الذي لا مثيل له.

مراحل تكوين الجنين في القرآن

تبين أن طورِ الإنسان يَمر بِعدّةِ مَراحِل أساسيّة مُتسلسلة وَهِيَ:

النطفة: والنطفةِ مَعناها هِيَ تخالُطِ ماءِ الرّجُل مَع ماءِ المرأة عَن طَريقِ الجماع؛ بحيث يصبحان نُطفَة، وَمِن عَجائِبِ قدرةِ الله تعالى أنّ تِعدادِ الحيواناتِ المَنَوِيّة التي تفرِزها الخِصيَتان ما بين (200-300) حَيوان منوي فِي الدُفعَةِ الواحدة، والمرأة تَقُومُ على إنتاج بُويضَةٍ واحِدَة عليها تاج مُشِع، والكَميّات الهائلة التي تَصِلُ إلى قَناةِ فالوب، لا يخترِقُ هذِهِ البويضة سِوى حيوان منوي واحِد لِتَكوين بُويضَة مُلقّحة تُعرفُ بالنطفة، وبعدَ مرور 14 يومًا تتَكَوّن العَلَقَة.

العلقة: ذُكِرت كلمَةِ عَلق خمس مرّاتٍ فِي القرآن الكريم، وَهِيَ تَشبيه بقطعَةِ العلق كالدمِ الجامد أو كالدودة التي تَعيشُ فِي البِرَك والمُستنقعات، وَهُوَ أقرَبُ وَصفٍ لِطورِ الإنسان عِندَما تتكاثر الخلايا وَتنقَسِم لِتُصبِحَ عبارَة عَن كُتلَةٍ مِنَ الخلايا وَتَتَعَلّقُ بجدارِ الرّحِم، وَيبقَى هذا الطَور إلى اليوم الأربعين، وما يُمَيّز العلقة أنّها تتكوّن مِن طبقتين خارجيّة (مُغَذية وآكلة)، وداخِليّة (وَهِيَ التي يَخلِقُ فِيها الله الإنسان).

المُضغَة: ذُكِرَت كلمَةِ مُضغَة فِي القرآن الكريم ثلاث مرّاتٍ وَهِيَ تَدل على قِطعَةٍ صَغيرَة مِنَ اللّحم بقدرِ ما يَمضَغَهُ الإنسان، وتبدأ هذِهِ المَرحَلة فِي الأسبوع الثالث بمرحلتين هُما: مضغة غير مخلّقة: تبدأ مِنَ الأسبوع الثالث حَتّى الرابع، ولا يكونُ في هذه المرحلة هُناكَ أي ظُهورٍ لأيِّ عُضو وجِهاز.

مُضغَة مُخَلّقة: تبدأ هذِهِ المَرحَلة مِن بِدايةِ الأسبوع الرابع حَتّى الشهر الثالث، وهناك تَغيّراتٍ مُدهِشَة للجنين، وَتَنمُو الخلايا وتتمايز ليصبح عِبارة عَن إنسان قويم صغيرُ الحَجِم. والدليل على هذا الأمر قَولِ الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) [الحج: 5].

العظام: فِي هذا الطور تتَحَوّل قِطعَةِ المُضغَة وَهِيَ عِبارَة عَن قِطعَةِ لَحِم إلى هيكَل عَظمِي فِي الأسبوع السابعِ تَحديدًا ليكُونَ على شَكلِ صُورَةٍ آدَميّة. كساءُ العظام باللحمِ والعضلات.

نشأةِ الجنين: يقول تعالى: (ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا) ففِي بِدايَةِ الأسبوع التاسع تُصبِحُ الأعضاء جاهِزَةً بأن تَقُومَ بِوظائِفِها، وفي هذِهِ المَرحَلَة يَنفُخُ الله تعالى الروح على الجنين بَعدَ مرورِ أربعةِ أشهر من الحمل. قابِليّة الحياة للجنين: فِي الأسبوع السادس والعشرين يَستَطيعُ الجنين العيش خارجَ الرحم وَقَد اكتَمَلَ نُمُوّ الأجهزة، وبتقديرِ القرآن الكريم مَرحَلَة الحمل والحضانة بثلاثين شهرًا بِقَولهِ تعالى: (حَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا) [الأحقاف: 15].

وبيّن الله تعالى الحضانة بأنّها عامَين بقولهِ تعالى: (وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ) [لقمان: 14]، وبالتالي عِندَ طرحِ 30 شهر من 24 شهر يساوي 6 أشهر، وهذا يَدُلّ على قُدرةِ الجنين على العيش بالشهرِ السادس، ولكن يحتاجُ إلى الوَقِت ليأخذَ الغِذاء والطعام مِنَ الأم عَن طَريقِ المَشيمَة ليكبر ويصبح أكثر وزنًا، ويكون جهازهُ المناعي والأعضاء أيضًا أقوى.

تصوير سورة الحج لقضية البعث
سار القرآن الكريم على الأسلوب نفسه في إثبات البعث والنشور وهو يستعرض آيات الكون الصغير الذي يتألف من أصغر أجزاء الذرة وجزيئاتها، قال تبارك وتعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) [سُورَةُ الْحَجِّ: 22-5] أيْ، إن كنتم في ريب من الحشر والنشور، فانظروا إلى هذا الحدث الذي يقع في ماهيتكم.

وتأملوا هذا الدليل الأنفسي الآتي: إن الله عزّ وجلّ خلقكم بادئ الأمر من تراب، وصنع خميرة ماهيتكم من بعض العناصر المبثوثة في الأرض، وخلط هذه العناصر ببعضها مكوّنًا منها حساء بروتينيًّا، ثم نفخ الروح فيها لتتحول إلى قطرة من ماء مهين، ثم إلى علقة فمضغة مخلقة وغير مخلقة، وعندما أصبحتم مضغة خلقكم أو أماتكم؛ أي سقط بعضكم من بطن أمه قبل استكمال مدة الحمل، واستكمل بعضكم الآخر مسيرته وأخذ صورة تناسب بذرة ماهيته ونال شرف التكريم بسرّ أحسن تقويم.

وقد تضمنت الآيات الأربع والعشرين الأولى من سورة الحج محوري الخلق والبعث، وتبدأ بإنذار الناس من الساعة والتحذير من الريب فيها، وتوكيد الساعة بما لاريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور. والخطاب في هذه الآيات الأربع والعشرين عام إلى كل الناس، لاسيما وأن العرب في الجاهلية كانت لا تعرف أو لا تؤمن بشيء من المعاد رغم إيمانها بالله إلهًا وخالقًا ومبدئًا، لكنه ليس معيدًا، ولذلك شدّد القرآن على عقيدتين نفي الشرك وتوكيد المعاد والبعث، وقد كان نفي المعاد والبعث وتوكيد الشرك هما محوري ديانة العرب المشركين في الجاهلية. ويؤكد نولدكه المستشرق الألماني على أن محور خطاب القرآن هو المعاد في بيئة لم تكن تعرف أو تؤمن بالمعاد.

وضمن تلك الآيات ينتقل القرآن إلى تخصيص خطابه بفئة من هؤلاء الناس وتبدأ من الآية 3 وتشمل الآية 4 حيث تبدأ بقوله تعالى: “ومن الناس” وهم فئة تجادل جدل الخصومة وليس جدل الإقناع لأنها لا تستند إلى علم بل إلى التقليد والاتّباع، لذلك لا يجادلهم القرآن بل يعود في الآية 5 إلى خطاب الناس عامة حيث يبدأ بقوله تعالى: “يا أيها الناس” مستدلًا على البعث والمعاد بالنشأة الأولى للإنسان من التراب، ثم بالنشأة الثانية له في الأرحام، ثم في الأجل المسمى له، ويقرن تلك المسيرة في الخلق بإحياء الأرض بعد موتها بإنزال الماء عليها فتهتز وتربو.

وفي الآية السادسة يربط بين الحياة بعد الموت أو البعث بصفة أو اسم الحق لله تعالى وأنه يحيي الموتى لأنه سبحانه وتعالى هو الحق وفي الآية السابعة يؤكد أمر الساعة ويقرنه بالبعث من القبور لكنه يعود في الآية 8 إلى الآية 13 بتخصيص الخطاب إلى فئة أخرى من الناس، وهي فئة أصابها الغرور بما اعتقدت وبما كسبت من الدنيا، وهي تجادل الله في الخلق والبعث والمعاد وجدلهم هذا لا يستند إلى علم أو هدى أو كتاب منير كما يصف القرآن أحوالهم تلك. ويرى المفسرون أن هذه الفئة تختلف عن الأولى في الآية 3 بأنهم هم رؤساؤهم بينما الفئة الأولى هم أتباعهم لقوله تعالى في وصفهم: “ويتبع كل شيطان مريد”.

وقد دأب العرب المشركون في محاججتهم للنبي الكريم -صلى الله عليه واله وسلم- والقرآن العظيم على عدم الاستناد إلى علم أو هدى أو كتاب منير، لأنهم أميون لم يقرأوا كتابًا ولم يستنيروا بنور العلم إلا علم الكهانة الذي ضعفت حجته أمام القرآن وأما البلاغة فإنها لم تكن لهم علم وإنما سليقة فُطروا عليها ولذلك لم يحاججوا القرآن في بلاغته، وقد فعلها من بعدهم أقوام في تاريخ الاسلام ممن أطلق عليهم الزنادقة بعد أن صارت البلاغة علم واللغة قواعد وقد دُحضت حجتهم.

وإذا كان القرآن يحاجج الناس عامة بالخلق في الآية 5 من أجل توكيد البعث والمعاد، فإنه لا يحاجج هذه الفئة من الناس التي أصابها غرور الكسب ورغد العيش وعبر عنها بتثنية العطف وهو التبختر في قوله “ثاني عطفه” بل شرع القرآن في الآيات من 14 إلى 24 في توكيد المعاد والبعث والجنة والنار كحقائق في الكون، وخاتمة آية 14 التي تبدأ بالتوكيد تؤكد هذا في قوله “إن الله يفعل ما يريد” فالبعث والمعاد والجنة والنار تدخل في إرادة الله تعالى، وهي لذلك حقائق في الكون لأنها من الخلق بالحق وتوكيد من خلال البعث والمعاد على أن خلق السماوات والأرض لم يكن لهوًا ولم يكن باطلًا بل هو الخلق الحق الذي يترتب عليه وينشأ عنه الحق في الثواب والعقاب في البعث والمعاد.

قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) [سُورَةُ الْحَجِّ: 22-5].

لقد ورد في آخر الآية، أنكم ترون الأرض وكأنها هامدة قاحلة عاجزة عن الإنبات والعطاء، وما إن نُنزل عليها الماء الغزير من السماء، حتى تبدأ بالحركة والاهتزاز، فينبت نباتها بقوة، وينمو زرعها بشكل سريع. أجل، ويخلق الله سبحانه زوجين من كل شيء، وترسم يد القدرة مشاهد من الجمال خلابة تبهج القلوب وتبهر الأنظار.

أوَ يعجز القدير المطلق الذي أقام الكون عن إقامة حياة بعد الموت لبني آدم؟

(ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [سُورَةُ الْحَجِّ: 22-6]؛ فجميع ما ترونه حقّ لأنه من الله تعالى، هو الذي سيحيي الموتى وهو على كل شيء قدير، يكشف لكم قدرته من خلال تجليات خلقه، ومن خلال تدبيره لآلاف الوقائع والأحداث التي تحيط بكم.

(وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ) [الْحَجِّ: 22-7]؛ لا ريب أن كل هذه الآيات تشير إلى قيام الساعة، وتؤكد على أن الله سبحانه وتعالى سيبعث كل مَن في القبور مرة أخرى ويحشرهم من جديد.

ومما هو واضح في كل هذه الآيات، أن الله تعالى أثبت البعث من خلال الأحداث التي تقع في الأرض التي نعيش عليها؛ فكما أنه تعالى يحيي البذور وينبتها في ربيع جديد بعد تعفّنها وموتها تحت الأرض، فكذلك سيحيي الإنسانَ الذي يتآكل جسده في القبر ويتبعثر؛ في يوم البعث والنشور الذي هو ربيعه الثاني. إن الخالق الذي يبعث النباتات في كل ربيع ويفرشها أمام أنظارنا لمحيي الموتى حتمًا وباعثهم مرة أخرى.

فالبعث والمعاد يؤكد ذلك الحق في الكون والخلق، ولذا فهما من حقائق الكون ومن الحق في الخلق يقول الله تعالى: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ * مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ) [الدخان: 39]، والآية في ضميمتها الحق في البعث والمعاد وقوله: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ۚ ذَٰلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا) [ص: 27]، وعندما يظن المشركون بباطل الخلق وعدم الحق في الكون فإنهم لا يظنون بالبعث والمعاد والحساب وتلك جزء من عقيدة مشركي العرب قبل الإسلام، وهكذا، فالبعث والمعاد من حقائق الكون ومن الحق في الخلق.

وعلى مستوى تلك الحقائق الكونية، ويضاف إليها التشريعية يكون الحج، فالآيات من 24 إلى 37 التي أعقبت آيات الخلق والبعث والمعاد تكون هذه الآيات في الحج وهي بذلك تنتظم في سياق الحقائق الكونية، لكن يضاف إليها التشريعية، فمن وسائل وآليات القرآن هو انتظام الموضوعات في سياق واحد ولو من طرف خفي رغم اختلافها في موادها وقضاياها.

ومن الأدلة على البعث: ماء الرجل (المني). ووجه الاستدلال بهذا الدليل على البعث، أن المني إنما يحصل من فضلة الهضم، وهو كالطل المنبث في أطراف الأعضاء، فإذا أراد الإنسان إخراجه تجمع من أجزاء البدن، وأخرجه ماء دافقًا إلى قرار الرحم ليتكون إنسانًا جديدًا، فإذا كانت هذه الأجزاء متفرقة فجمعها، وكون منها ذلك الشخص، فكيف يمتنع عليه جمعها مرة أخرى من التراب؟

وقد تكرر هذا الدليل في مواضع أُخر من كتاب الله منها في سورة الحج (5-7): (يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِن كُنتُمْ فِى رَيْبٍۢ مِّنَ ٱلْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَٰكُم مِّن تُرَابٍۢ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍۢ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍۢ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍۢ مُّخَلَّقَةٍۢ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍۢ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ ۚ وَنُقِرُّ فِى ٱلْأَرْحَامِ مَا نَشَآءُ إِلَىٰٓ أَجَلٍۢ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوٓاْ أَشُدَّكُمْ ۖ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّىٰ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰٓ أَرْذَلِ ٱلْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنۢ بَعْدِ عِلْمٍۢ شَيْـًٔا ۚ وَتَرَى ٱلْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا ٱلْمَآءَ ٱهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنۢبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍۢ * ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ).

وفي سورة القيامة: (37 – 40) (أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى * أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَىٰ * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّىٰ * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَىٰ * أَلَيْسَ ذَٰلِكَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَىٰ)، وفي سورة الطارق: (5- 8) (فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِن مَّاءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ).

تأثر المسلمين بنزول سورة الحج

أثرت سورة الحج في نفوس المؤمنين عند نزولها، فحثتهم على العمل والإيمان والصلاح.. ومما يدل على ذلك ما جاء عند قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ).

أورد الإمام أبو جعفر ابن جرير مستند من قال ذلك في حديث الصور من رواية إسماعيل بن رافع قاضي أهل المدينة، عن يزيد بن أبي زياد، عن رجل من الأنصار، عن محمد بن كعب القرظي، عن رجل، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “إن الله لما فرغ من خلق السماوات والأرض خلق الصور، فأعطاه إسرافيل، فهو واضعه على فيه، شاخص ببصره إلى العرش، ينتظر متى يؤمر”. قال أبو هريرة: يا رسول الله، وما الصور؟ قال: “قرن” قال: فكيف هو؟ قال: “قرن عظيم ينفخ فيه ثلاث نفخات، الأولى نفخة الفزع، والثانية نفخة الصعق، والثالثة نفخة القيام لرب العالمين، يأمر الله إسرافيل بالنفخة الأولى فيقول: انفخ نفخة الفزع. فيفزع أهل السماوات وأهل الأرض، إلا من شاء الله، ويأمره فيمدها ويطولها ولا يفتر، وهي التي يقول الله تعالى: (وَمَا يَنظُرُ هَٰؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ) [ص: 15] فيسير الله الجبال، فتكون سرابًا وترج الأرض بأهلها رجًا، وهي التي يقول الله تعالى: (يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ *تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ *قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ) [النازعات : 6-8]، فتكون الأرض، كالسفينة الموبقة في البحر، تضربها الأمواج تكفؤها بأهلها، وكالقنديل المعلق بالعرش ترجحه الأرواح. فيمتد الناس على ظهرها، فتذهل المراضع، وتضع الحوامل. ويشيب الولدان، وتطير الشياطين هاربة، حتى تأتي الأقطار، فتلقاها الملائكة فتضرب وجوهها، فترجع، ويولي الناس مدبرين، ينادي بعضهم بعضًا، وهو الذي يقول الله تعالى: (يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُم مِّنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ ۗ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) [غافر: 32-33] فبينما هم على ذلك إذ انصدعت الأرض من قطر إلى قطر، فرأوا أمرًا عظيمًا، فأخذهم لذلك من الكرب ما الله أعلم به، ثم نظروا إلى السماء فإذا هي كالمهل، ثم خسف شمسها وخسف قمرها، وانتثرت نجومها، ثم كشطت عنهم” قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “والأموات لا يعلمون بشيء من ذلك” قال أبو هريرة: فمن استثنى الله حين يقول: (فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاءَ اللَّهُ)؟ [النمل: 87] قال: أولئك الشهداء، وإنما يصل الفزع إلى الأحياء، أولئك أحياء عند ربهم يرزقون، وقاهم الله شر ذلك اليوم وآمنهم، وهو عذاب الله يبعثه على شرار خلقه، وهو الذي يقول الله: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ وَلَٰكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ).

قال الترمذي: حدثنا ابن أبي عمر، حدثنا سفيان بن عيينة، حدثنا ابن جدعان، عن الحسن، عن عمران بن حصين أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: لما نزلت: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ) إلى قوله: (وَلَٰكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ)، قال: أنزلت عليه هذه، وهو في سفر، فقال: “أتدرون أي يوم ذلك؟” فقالوا: الله ورسوله أعلم. قال: “ذلك يوم يقول الله لآدم: ابعث بعث النار. قال: يا رب، وما بعث النار؟ قال: تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار، وواحد إلى الجنة” فأنشأ المسلمون يبكون، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “قاربوا وسددوا، فإنها لم تكن نبوة قط إلا كان بين يديها جاهلية” قال: “فيؤخذ العدد من الجاهلية، فإن تمت وإلا كملت من المنافقين، وما مثلكم والأمم إلا كمثل الرقمة في ذراع الدابة، أو كالشامة في جنب البعير” ثم قال: “إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة” فكبروا ثم قال: “إني لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة” فكبروا، ثم قال: “إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة” فكبروا، قال: ولا أدري أقال الثلثين أم لا؟” فالحث على العمل وزيادة الإيمان كان أمرًا تحفيزيًا من مقاصد سورة الحج الكريمة.

ومن آياتها المؤثرة أيضًا قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ والمَطْلُوب).

يَقُول تَعَالَى مُنَبِّهًا عَلَى ضعف عقول بعض العباد: (يَا أَيّهَا النَّاس ضُرِبَ مَثَل -أَيْ لِمَا يَعْبُدهُ الْجَاهِلُونَ بِاَللَّهِ الْمُشْرِكُونَ بِهِ- فَاسْتَمِعُوا لَهُ -أَيْ أَنْصِتُوا وَتَفَهَّمُوا- إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُون اللَّه لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوْ اِجْتَمَعُوا لَهُ -أَيْ لَوْ اِجْتَمَعَ جَمِيع مَا تَعْبُدُونَ مِنْ الْأَصْنَام وَالْأَنْدَاد عَلَى أَنْ يَقْدِرُوا عَلَى خَلْق ذُبَاب وَاحِد مَا قَدَرُوا عَلَى ذَلِكَ-).

كَمَا قَالَ الْإِمَام أَحْمَد حَدَّثَنَا أَسْوَد بْن عَامِر حَدَّثَنَا شَرِيك عَنْ عُمَارَة بْن الْقَعْقَاع عَنْ أَبِي زُرْعَة عَنْ أَبِي هُرَيْرَة مَرْفُوعًا قَالَ: “وَمَنْ أَظْلَم مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُق كَخَلْقِي فَلْيَخْلُقُوا مِثْل خَلْقِي ذَرَّة أَوْ ذُبَابَة أَوْ حَبَّة”.

وَأَخْرَجَهُ صَاحِبَا الصَّحِيح مِنْ طَرِيق عُمَارَة عَنْ أَبِي زُرْعَة عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: “قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَمَنْ أَظْلَم مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُق كَخَلْقِي فَلْيَخْلُقُوا ذَرَّة فَلْيَخْلُقُوا شَعِيرَة -ثُمَّ قَالَ تَعَالَى أَيْضًا- (وَإِنْ يَسْلُبهُمْ الذُّبَاب شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ)” أَيْ هُمْ عَاجِزُونَ عَنْ خَلْق ذُبَاب وَاحِد بَلْ أَبْلَغ مِنْ ذَلِكَ عَاجِزُونَ عَنْ مُقَاوَمَته وَالِانْتِصَار مِنْهُ لَوْ سَلَبَهَا شَيْئًا مِنْ الَّذِي عَلَيْهَا مِنْ الطِّيب ثُمَّ أَرَادَتْ أَنْ تَسْتَنْقِذهُ مِنْهُ لَمَا قَدَرَتْ عَلَى ذَلِكَ هَذَا وَالذُّبَاب مِنْ أَضْعَف مَخْلُوقَات اللَّه وَأَحْقَرهَا”.

وَلِهَذَا قَالَ “ضَعُفَ الطَّالِب وَالْمَطْلُوب” قَالَ اِبْن عَبَّاس: الطَّالِب الصَّنَم وَالْمَطْلُوب الذُّبَاب. ففي هذه الآية تأثير بتحدي القرآن وإعجازه للبشر بأن يخلقوا كخلق الله سبحانه.

فللقرآن أثر في النفوس عجيب، وقدرته على جذب القلوب أعجب، يقول الشيخ محمد متولي الشعراوي في تفسيره:

إنه أي القرآن يخاطب ملكات خفية في النفس، لا نعرفها نحن، ولكن يعرفها الله خالق الإنسان، وهو أعلم به، هذه الملكات تنفعل حين تسمع القرآن الكريم، فتلين القلوب، ويدخل الإيمان إليها، ولقد تنبّه الكفار إلى تأثير القرآن الكريم في النفس البشرية تأثيرًا لا يستطيع أن يفسره أحد، ولكنه يجذب النفس إلى طريق الإيمان، ويدخل الرحمة في القلوب.

لذلك كان أئمة الكفر يخافون أكثر ما يخافون من سماع الكفار للقرآن الكريم، ويحاولون منع ذلك بأي وسيلة، ويعتدون على من يتلو القرآن الكريم، ولو أن هذا القرآن الكريم لم يكن كلام الله الذي وضع فيه من الأسرار ما يخاطب ملكات خفية في النفس البشرية، ما اهتم أئمة الكفر بأن يستمع أحد للقرآن الكريم، أو لا يستمع، ولكن شعورهم بما يفعله كلام الله، جعلهم لا يمنعون سماع القرآن الكريم فقط، بل قالوا كما يروي لنا القرآن الكريم: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ).

يمكننا من خلال هذا البحث استنتاج ما يلي:

حُــسن عرض القرآن للأمور وقوة حججه.
إعجاز القرآن الكريم في قضية ذكره أطوار الجنين.
حُـــسن بيان على البعث بعد الموت بأسلوب مقنع رصين.
تأثير القرآن في نفوس المؤمنين وتأثرهم به وشحذ هممهم لفعل الأصلح.

2 تعليقات

تعليق:

أحدث أقدم

نموذج الاتصال