الدكتور فاضل بن صالح بن مهدي بن خليل البدري السامرائي السائر إلى الله تعالى



كان الدكتور فاضل ذا عقل كبير، وبصيرة فذة في نظرته للأمور، وقد شُغل في مرحلة من مراحل عمره بمسألة "الإيمان بالله عز وجل" حتى أنها كانت سببًا في عدم تركيزه في كثير من أمور حياته، يقول عن تلك الفترة: "إن الله سبحانه وهب لي عقلًا متشككًا أبلغ درجات الشك وقد كانت مسألة الإيمان بالله تبرحني وكان الهم يسيطر على نفسي وقلبي في الليل والنهار في النوم واليقظة ولا أبالغ إذا ما قلت إن تلك المسألة كانت تقطع علي النوم. وعديدا ما كنت وأنا أسير في الطريق لا ألتفت إلى من يمر بي أو يسلم علي وعديدا ما يمسك بي صديق فيقول : أين أنت يا فلان ؟ !فأستيقظ وأنا سائر وقد كنت غارقا في تفكير عميق".

أنظر إلى سيطرة التفكير عليه، كيف كانت مذبذبة لحياته في شتى النواحي والمجالات. بل الأعجب من هذا أنه في هذه المرحلة لم ينظر إلى المؤمنين إلا على أنهم ضُلال يسيرون في طريق العمى والجهالة والتشكك، ويعبر هنا بقوله: "وكنت أظن أنه ليس على وجه الأرض فرد مؤمن بل كلهم أناس يخفون شكوكهم وكمن أرى أن الناس كلهم ملحدون ومع ذلك منهم من يجهر بإلحاده ومنهم من يبرقعه. وكنت أظن أنه ليس ثمة شخص في الدنيا يتمكن من إقناعي بوجود الله. وكنت مستعدا أن أهب كل عزيز لمن يقيم لي الدليل على وجوده".

وكثيرًا ما كانت أفكار الملحدين تخالج تفكيره، هذه الأفكار التي أثّر متاع الدنيا عليها؛ ألا نجد الآن من يدعو لانتهاز الحياة في إشباع الغرائز والملذات والبعد عن الأديان والإيمان الذي هو في رأيهم أفيون للناس!

الدكتور فاضل السامرائي كان صادقًا مع نفسه في هذا الأمر، حتى ثارت أفكاره نحو هذا الأمر، ففعلًا إذا كان الإيمان دربًا من العبط والسفه فلماذا لا نستمتع بحياتنا؟ لهذا كانت يقول لنفسه في حالته المذبذبة: " أأنتهز الفرصة وأنهب لذات الحياة وأتمتع بها ما استطعت كيف أشاء أم أتصبر وأسير في طريق الحرمان فلعل هناك إلها يدين الناس ويحاسبهم على أعمالهم؟ في أي درب أسير ؟ أفي طريق اللذة أم في طريق الحرمان؟

وعديدا ما كنت مع نفسي في حوار طويل وأخذ ورد، في أي درب أسير، أأسير في طريق اللذائذ والشهوات فإنها فرصة لن تعود أم أتصبر وأحرم نفسي؟

وهل يصح ترك تلك اللذائذ لأمر محتمل غير محقق الوقوع؟!

توجه الدكتور فاضل السامرائي نحو القراءة والبحث والتحقيق، وتمحيص الأفكار والأدلة، واستمر باحثًا عن الحق والحقيقة بدون ملل أو كلل حتى وصل إلى الإيمان واليقين بفضل الله عز وجل. وهنا كانت السعادة الحقيقية التي لا تعادلها سعادة في هذه الحياة؛ إنها سعادة الوصول إلى الله!

يقول المسترشد بنور العقل السليم: " وبدأت في البحث والتمحيص، ولا أكتم القارئ أني كنت أقرأ الكتب الضخمة فلا أرجع منها بشيء ولا أنتفع بلفظة ثم أتركها لأقرأ غيرها فما كانت تبل الظمأ ولا أرجع من حيرتي إلا حيرة أشد. واستمررت وأنا عازم على السير لا أكلّ ولا أفتر حتى فتح الله علي بالإيمان ومنّ باليقين لما علم من صدق عزمي على المضي وشدة رغبتي إلى الوصول. وما زلت والله أذكر ( يوم الإيمان ) فوالله ما وجدت ساعة في حياتي أحلى من ساعة الإيمان ولا يوما أضوأ ولا أزهر من يوم الإيمان. و كدت أهتف كما هتف ذلك الذي رأى صنع الله في الزهرة وذلك أن أحد علماء الأحياء فى حين كان في مختبره هتف صائحا : رأيت الله !فاجتمع إليه تلاميذه وسألوه عن الأمر فقال : لا تراعوا فقد أراني المجهر في تلك الزهرة من دقة الصنع وبراعة الوضع ما حير عقلي وأخذ بلبي وأثبت لي أن ذلك لا يمكن أن يحدث نتيجة فواعل طبيعية لا تدرك ما تصنع. رأيت يد القدرة الخفية تمتد إلى كل شيء تحوطه بالعناية والرعاية".

أوليست هذه الحالة تشبه حالة كثير من الشباب في عالمنا المعاصر؟

فماذا فعلوا وماذا فعل الدكتور فاضل السامرائي ليصل إلى الحقيقة؟!

ظل الدكتور فاضل يبحث بجد حتى يصل إلى الحقيقة، حقيقة الإبداع الأول الذي جمّل وخلق هذه الطبيعة الخلابة، ووصل الدكتور فاضل؛ لكن بعض مثقفينا لم يصلوا بعد!

فهل العيب في المنهج والطريقة التي يسيرون عليها؟!

أم في القواعد العقليّة المتبعة عندهم؟!

لا بد من الاعتراف بالتقصير الموضوعي والعلمي في السير نحو الحقيقة والتحقق، وأنه ينبغي على طالب الحق بذل كل غالي ونفيس في هذا السبيل العظيم (سبيل التعرف على العظمة الإلهية)!

إرسال تعليق

تعليق:

أحدث أقدم

نموذج الاتصال