لا نقارن بين دينين (الإسلام والمسيحية) فمصدرهما واحد وهو "الله" عز وجل ، وإنما نبيّن ما أدخلته الكنيسة ورجالها على دين الله العظيم ؛ دين سيدنا المسيح الرسول (المُعظّم) الذي دعا الناس من خلاله إلى الله الواحد.
ولما فسدت القلوب وتزعزع الإيمان رأيت الذي رأيت من تهافت الآراء المنسوبة إلى الدين باسم الله!
في المسيحية، أو بالأحرى في الكنيسة، قد عرف الغفران للذنوب باسم آخر غير المتعارف عليه بين المؤمنون، حتى غدا في عقيدة الكنيسة "سر" من أسرارها التي لا يمكن للعقل أن يدرك حقيقته أو يفهم مخزاه!
هذا السر الذي هو أحد أسرار الكنيسة السبعة، يعرف بـ (الغفران أو التوبة أو الاعتراف) ، ويأتي المُذنب من أتباع الكنيسة إلى القس الذي يكون بيده تطهير العاصي من خطاياه، وهذا القس يعتبر نفسه وكيلًا عن الله في توزيع الجنة والنار فإذا جاء المذنب واعترف أمام القس بذنوبه واشترى منه الغفران، والغفران عبارة عن "صك" يصدر عن الله عز وجل في زعمهم ولكنه بيد القس، يُعطيه المذنب مقابل مبلغ من المال.. وبالتالي فقد حصل المذنب على المغفرة وكذلك قد حصل على موضع في الجنة!
لكن هل هذه تعاليم دين الله عز وجل؟ هل هي تعاليم المسيح فعلًا لأتباعه ؟
إن المسيح نفسه عندما قال لأحدهم: «ثِقْ يَا بُنَيَّ. مَغْفُورَةٌ لَكَ خَطَايَاكَ». (متى 9/2( ، لم يكن يقصد أنه أساس الشفاء، المسيح عليه السلام قال هذا بعدما رأى إيمانه، فإيمانه هو من غفر له كــما هو الحال مع المرأة التي قال لها المسيح في متى 9/22: ثِقِي يَا ابْنَةُ، إِيمَانُكِ قَدْ شَفَاكِ.
فكل من يؤمن بالرسول ومن أرسله يُغفر له خطاياه؛ فهذا وعد الله لمن آمن وصدّق.
ثم إن شفاء المرأة من المعجزات التي أيده الله بها، والمسيح لا يستطيعها وحده كما قال: أَنَا لاَ أَقْدِرُ أَنْ أَفْعَلَ مِنْ نَفْسِي شَيْئًا. كَمَا أَسْمَعُ أَدِينُ، وَدَيْنُونَتِي عَادِلَةٌ، لأَنِّي لاَ أَطْلُبُ مَشِيئَتِي بَلْ مَشِيئَةَ الآبِ الَّذِي أَرْسَلَنِي. إِنْ كُنْتُ أَشْهَدُ لِنَفْسِي فَشَهَادَتِي لَيْسَتْ حَقًّا. (يوحنا 5/30(.
فكيف يترفع سيدنا المسيح عن هذه الخصوصية الإلهية، ولا يترفع أتباعه من القساوسة ؟!
يكون الغفران بيد الله عز وجل وحده، والمغفرة تحتاج إلى توبة صادقة فقط بين العبد وربه، وهذه التوبة لها شروط لتكون مقبولة عند الله.. وهذه الشروط هي:
· الإخلاص لله تعالى "وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ"
· الاقلاع عن المعصية "كل ابن آدم خطاء، وخير الخطَّائين التوّابون "
· الاعتراف بالذنب والندم عليه، وقد أشار النبي إلى هذا بقوله "الندم توبة"
· رد المظالم إلى أهلها "مَنْ كَانتْ عِنْدَه مَظْلمَةٌ لأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ مِنْ شَيْءٍ فَلْيتَحَلَّلْه ِمِنْه الْيَوْمَ قَبْلَ أَلَّا يكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، إنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمتِهِ، وإنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سيِّئَاتِ صاحِبِهِ، فَحُمِلَ عَلَيْهِ"
· وقوع التوبة قبل الغرغرة " إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر"
وتجمع هذه الشروط الآية الكريمة "وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَىٰ"
فانظر إلى اتفاق هذه التعاليم الدينية الواحدة، ألا يدل هذا الاتفاق على وحدة المصدر والمشرع؟
إن هذا بالأحرى لهو التفسير السليم لهذه المسألة، فبين كل رسول وآخر مئات السنين، وكلهم يبشر بالآخر، وتعاليمهم واحدة في أصولها ومجملها..
التصنيف :
نقد