سلوى المكلوم

 



سلوى المؤمن المكلوم 

القلب الحزين، ذلك القلب الذي تحمل بين جنباته أحمالاً من الهموم والأحزان والآلام والخيبات.. ليس هذا قلبك وحدك!؛ إنه قلب كُلّ منا.
قلب ذاق طعم الغدر، وتجرّع مرارة الخيانة، واستنشق هواء الظلم.. لا أحد يسلم من هذه الدوّامة الدائرة، ولا فرق بيننا في هذا الأمر، فمن منا لم يخضع لألم فقد أو خذلان أو فهم خاطئ؟ ومن منا لم يشعر بثقل الأيام وظلم البشر؟
تلك هي الدنيا التي نعيش فيها؛ مليئة بالتقلبات، مليئة بالاختبارات التي تأتي إلينا على غير موعد وعلى غير شكل.

الغدر والخيانة – طعنة القلب

لا شك أن الغدر والخيانة هما أكثر ما يكسر القلب ويشعل الألم داخله، فالإنسان بفطرته يبحث عن الأمان في علاقاته مع الآخرين، سواء كانوا أصدقاء أو أحبة، فيبني جسور الثقة على أرضية صلبة من الأمل في أن هذه العلاقات ستدوم ولن تتعرض للهدم والزوال، لكن في كثير من الأحيان تأتي الخيانة من أولئك الذين نمنحهم ثقتنا الكاملة، فتكون الطعنة أشد إيلامًا، لأنها تأتي من مكان الأمان المفترض!
القلب المكلوم نتيجة الخيانة يعيش بين ترددات الألم والصدمة؛ يتساءل لماذا حدث ذلك؟ لماذا غدر من كنت أثق به؟
لكن علينا أن نتذكر دائمًا أن الخيانة ليست بالضرورة انعكاسًا لضعفنا أو خطئنا، بل هي غالبًا انعكاس لضعف الخائن نفسه، فالخائن هو من فقد قيمته الذاتية، ورضي أن يتخلى عن القيم العليا التي تربطه بالآخرين، فكما يقول الشافعي:

ففي الناس إبدال وفي الترك راحة ** وفي القلب صبر للحبيب ولو جفا
إذا خُذلت أو غُدرت، فليس معنى ذلك أن الدنيا كلها خذلان، الحياة مليئة بالبدائل، وكل موقف صعب يمر علينا هو فرصة للتعلم والنمو.

الظلم – العبء الذي يحمله القلب

من الغدر والخيانة ننتقل إلى الظلم، وهو الوجه الآخر للألم الذي يثقل القلب ويجعله يتساءل عن العدالة في هذه الدنيا، وقد يكون الظلم في العمل، أو في الأسرة، أو حتى من المجتمع بأسره، والإنسان يشعر بالعجز أمام الظلم، خاصة عندما يكون بلا سبب واضح أو نتيجة لأفعال الآخرين.
الظلم ليس فقط شخصيًا؛ بل هو قد يمس الأمة بأسرها، فالمظالم التي نراها تتوالى على الأمة، سواء كانت سياسية أو اجتماعية، تزيد من جرح القلب، كيف لا ونحن نرى الحقوق تنتهك، والأبرياء يعذبون، والضعفاء يسلبون، والقلوب التي تشعر بمآسي الأمة تتحمل عبئًا إضافيًا؛ عبء الحزن الجماعي الذي يثقلها أكثر فأكثر، لكن مع ذلك يبقى الأمل قائمًا بأن الله هو العدل، وأن يوم الحساب سيأتي.

فهم خاطئ – شباك التباس

كم من المرات شعرنا بأن الآخرين لا يفهموننا؟
كم من المرات أسيء فهم نوايانا أو أقوالنا؟
الفهم الخاطئ هو طعنة أخرى تصيب القلب، نحن كأفراد نعيش في مجتمعات معقدة، ونتعرض للتأويلات الخاطئة والظنون التي لا تمت للحقيقة بصلة، وهذا النوع من الألم ليس كالخيانة أو الظلم المباشر، لكنه يجعلنا نشعر بالغربة، حتى ونحن بين أحبائنا.
لكن يجب أن ندرك أن الفهم الخاطئ هو جزء من طبيعة البشر، فليس الجميع قادرين على إدراك مشاعر الآخرين بوضوح، وليس الجميع يمتلكون الفهم العميق للتعقيدات النفسية والإنسانية التي نعيشها، لذلك علينا أن نغفر ونتعلم أن نفصل بين ما يقوله الآخرون وبين حقيقتنا الداخلية.
رغم هذا الألم، هناك سلوى للمؤمن، فهذه الدنيا ليست دار البقاء، ليست محطتنا الأخيرة، هي فقط مرحلة عابرة في طريقنا نحو دار الخلود.
يجب ألا نسمح للهموم والمصائب أن تقضي على أملنا وثقتنا بالله.
يقول الله في كتابه الكريم: "وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ" (آل عمران: 140)، فالدنيا دار اختبار وابتلاء، وما يصيبنا من ألم ليس إلا مرحلة مؤقتة في مسيرتنا نحو الآخرة.

معنى الإيمان في مواجهة الحزن

هنا يأتي السؤال: كيف يمكن للمؤمن أن يتعامل مع هذا الحزن؟
كيف يمكن له أن يواجه كل هذه المصائب دون أن ينكسر؟
الجواب يكمن في معنى الإيمان الحقيقي؛ فالإيمان ليس فقط الاعتقاد بالله، بل هو الثقة العميقة بأن الله معه في كل خطوة، وأن كل ما يحدث له من خير أو شر هو بتقدير من الله، ولحكمة يعلمها وحده.
إن المؤمن الحقيقي هو من يمتلك عزيمة قوية، لا تهزها تقلبات الحياة، والابتلاءات جزء من الطريق، لكنها لا تثني المؤمن عن مواصلة السير، وعلى العكس كل ابتلاء يزيد من قوة المؤمن وصلابته.

الأمل والتفاؤل – طريق النجاة من الحزن

قد يبدو الحديث عن التفاؤل في مواجهة الحزن ضربًا من الخيال، لكنه الحقيقة التي يجب أن نتمسك بها، ليس معنى أنك مررت بتجربة فاشلة أن كل التجارب هكذا، فالدنيا متقلبة، وما تراه اليوم سيئا قد يكون غدا مصدر سعادة وفرح.
يجب على القلب الحزين أن يتشبث بالأمل، الأمل هو ما يجعلنا قادرين على الوقوف مرة أخرى بعد كل سقوط.
يقول الله تعالى: "إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا" (الشرح: 6)، فهذه الآية تحمل كل معاني الأمل، فكما أن الليل يتبعه النهار، فإن كل حزن يتبعه فرج، علينا فقط أن نحسن الظن بالله، وأن نؤمن بأن الخير قادم مهما طالت رحلة الحزن.

يمكن القول بأن القلب الحزين، الذي يحمل في داخله جراحًا لا تُرى، هو قلب قوي رغم كل شيء، قوته تكمن في قدرته على الصمود، على التمسك بالأمل رغم كل الصعاب، فالدنيا دار اختبار وابتلاء، لكننا نعيش فيها بثقة المؤمن، بثقة أن كل ما يحدث هو لحكمة من الله.
فلا ينبغي لنا أن نهلك أنفسنا لأجل هم عابر، ولا أن نغرق في الحزن لأجل من لا يستحقون.
إنما علينا أن نواصل السير، بثقة وأمل، نعلم أن الله لا ينسى عباده، وأن الفرج قريب.. أحسن الظن في الحياة، فكل حزن له نهاية، وكل تجربة قاسية تحمل في طياتها درسًا عظيمًا.


إرسال تعليق

تعليق:

أحدث أقدم

نموذج الاتصال