إثراء الحياة الجنسيَّة في الإطار الإسلامي
مقدمة:
الحديث عن "إثراء الحياة الجنسية في الإطار الإسلامي" يمثل موضوعًا مهمًا وحساسًا في الوقت الحالي، حيث يتناول العديد من الأفراد هذا الموضوع بأسلوب مختلف ومن منظورات متنوعة، ويتعين علينا أولاً معرفة مفهوم الجنس، ثم تحديد ضرورته، وبيان نظرة الإسلام إليه، وواقعية الإسلام في تعامله معه وكيفية تحقيق الرضا والسلام النفسي من خلال الإطار الشرعي له.
مفهوم الجنس:
أولاً: المعنى اللغوي للجنس يشير إلى الاتصال الشهواني بين الذكر والأنثى، حيث يشتق من كلمة "جنس"، وجمعها "أجناس" و"جنوس".([1])
ثانياً: المعنى الاصطلاحي للجنس يعبر عن القوة الهائلة المتمثلة في النفس، التي يمكن أن تثار في أي وقت وتكون مدمرة لنفسية الفرد وعقله وجسده وكيان الأسرة والمجتمع، أو يمكن أن تكون بناءة وتساهم في الاستقرار النفسي والتوازن العاطفي والانسجام العقلي للفرد. ويعتبر الجنس بمثابة لبنة مهمة في بناء الأسرة، وهي الوحدة الأساسية التي يقوم عليها أي مجتمع وأي أمة.([2])
وفي الاصطلاح أيضًا يُعرف الجنس بأنه التعبير عن العاطفة الجسدية بين الذكر والأنثى، ويُطلق على ممارسة الجنس كلمة "Sex" في اللغة الإنجليزية.([3])
ضرورة الجنس في الحياة:
ضرورة الجنس في الحياة الإنسانية لا تقتصر فقط على الجانب البيولوجي من الإنجاب وتكوين الأسرة، بل تتجاوز ذلك إلى العديد من الجوانب الاجتماعية والنفسية والعاطفية التي تؤثر بشكل كبير على حياة الإنسان، لذا يعتبر الجنس كطاقة حيوية في كيان الإنسان، خلقه الله ليتفاعل معها ويتوازن معها، وجعل له من المشاعر والأفكار في داخل النفس ما يوائم ويواكب هذه الطاقة الجسدية، ليسيراً متوازناً متسانداً، متلاقياً كما يحدث في كل المسائل الحيوية الأخرى، وقد رتب الله له وصاياه في منهجه المنزل من التنظيمات والتوجيهات والتشريعات، ليحقق أهدافه في الوضع السليم، وهذه هي الطريقة التي يتبعها الإسلام في كل شيء.([4])
ولذلك، فإن التربية الجنسية تعد ضرورية، لأن الحياة لا يمكن أن تستمر إلا بالتزاوج الدائم الذي لا يقف في جيل من الأجيال، فلا بد أن يكون في نفوس كل فرد في كل جيل ما يحمله على طلب الجنس ليتم التزاوج، وبالتالي يخرج النسل الجديد الذي يعمر وجه الأرض.([5])
كيف نظر الإسلام إلى الجنس؟
إن أحد أبرز ما يميز الإسلام في قضية الجنس هو الاعتراف بحاجة الإنسانية إليه ومنحه الأهمية المطلوبة، فالإسلام لا يعتبر النشاط الجنسي ذنبًا أو إثمًا، ولا يصنفه كمظهر من مظاهر الشهوة الحيوانية، بل يرى الإسلام أن الإنسان هو خلق الله الأفضل والأمثل في العالم، وأن المواهب والقدرات التي أعطاها الله له، والدوافع والاحتياجات التي يحملها في جوانحه، هي موافقة لطبيعته وتتفق معها في أطول الخطوط، وبالمثل يعتبر الجنس موهبة وقدرة عظيمة من الله للإنسان، مثلما أودعه الله المواهب والقدرات الأخرى، وبالتالي لا يوجد به شر أو ذنب.
لقد تعددت آيات القرآن الكريم وإرشاداته إلى تقدير الحياة الجنسية وإثرائها في عمق الواقع الإنساني، مما ييسر على الإنسان -رجلًا وامرأة- نظرته إلى الآخر وفق ضوابط وقيم عليا تساير المثل الراقية للحضارة الإيجابية الرفيعة.
ومن بين هذه التقديرات القرآنية قول الله عز وجل في القرآن الكريم: "زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ" (آل عمران: 14)، وعندما خلق الله آدم، خلق معه زوجته وشرع المزاولة الجنسية بين الزوجين، لضمان بقاء السلالة البشرية، ويقول الله تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً" (النساء: 1).
أما في الجنة، حيث تكون النعم واللذائذ متنوعة، لم يكن السرور لآدم أبو البشر كاملاً حتى صادف فيها مرافقة الصنف الآخر لجنسه؛ وهي "المرأة"، ويشير القرآن الكريم إلى ذلك قائلاً: "وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا" (الأعراف: 19).
لقد جاء الإسلام بهدف عزيز في هذه الحياة، وتهدف المعيشة الدينية التي يحتضنها المؤمن في الدنيا، والتي يتحمل لأجلها المتاعب والمشاق، إلى تجنب الذل والشقاء في الآخرة، وكسب العيشة الراضية والهادئة في الجنة، ولن تتم هذه التسهيلات والنعم في الجنة إلا للعباد المؤمنين برفقة أزواج محبات، إلى جانب النعم الأخرى، كما أشار الله عز وجل في القرآن الكريم: "لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ" (البقرة: 25)، و"أَزْوَاجٌ مُّطَّهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ" (آل عمران: 15)، و"لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَالِلًا" (النساء: 57)، و"ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ" (الزخرف: 70)، و"هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ" (يس: 56).
مثالية الإسلام في التعامل الجنسي:
إن الإسلام يتعامل بواقعية مع تركيب جسم الإنسان الشهواني وميله الجنسي، ولا ينكر وجود هذه الجوانب في الطبيعة البشرية، بل يحاول توجيهها وتنظيمها بطريقة تتناسب مع القيم والمبادئ الإسلامية، ومن خلال التربية الجنسية في الإسلام، يتم توجيه هذه الجوانب بشكل يحقق الاستقرار الأسري والمجتمعي، ويضمن الحفاظ على القيم الأخلاقية والأخلاقية.
ومن الصور التي تبرز أهمية المحافظة الإسلاميّة على الجنس في الحياة الإنسانية:
1- حب الإنسان للولد ورغبته فيه: يشجع الإسلام على حب الإنسان للولد ورعايته، ويعتبر الإنجاب وتربية الأولاد من الأعمال المحبوبة لدى الله. وتأتي هذه الرغبة من حاجة الإنسان البيولوجية والنفسية إلى الإنجاب وتكوين الأسرة.([6])
2- إباحة التعدد: يعتبر الإسلام إباحة التعدد في بعض الحالات كحل لمشاكل الزواج الأولى التي قد تعجز عن تلبية جميع احتياجات الزواج، سواء الجسمية أو النفسية أو حاجاته إلى الولد والذرية الصالحة.([7])
3- تحريم الخلوة بالمرأة الأجنبية: يحظر الإسلام على الرجل والمرأة أن يختلوا ببعضهما بمفردهما خشية سقوطهما في الفاحشة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ألَا لَا يَخلُوَنَّ رَجُلٌ بامْرأةٍ إلَاّ كانَ ثالِثَهُما الشّيْطان"([8])، وهذا يعكس الوعي الإسلامي بالمخاطر التي قد تنجم عن الاختلاط غير المحتشم بين الجنسين.
4- تحمل الرجل والمرأة دورهما: يؤكد الإسلام على أهمية تحمل كل من الرجل والمرأة دوره الطبيعي والمخصص له في الحياة الزوجية، ويوجه كلاً منهما لأداء واجباته ومسؤولياته تجاه الأسرة والمجتمع بكل إيجابية ومسؤولية.([9])
5- مفهوم المودة: في الإسلام، يعد مفهوم المودة والرحمة من الأسس الرئيسية التي يقوم عليها الزواج. يؤكد القرآن الكريم على هذه القيم في عدة آيات، مثل قوله تعالى في سورة الروم: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً" (الروم: 21)؛ فهذه الآية تبرز أهمية المودة والرحمة كأساس للحياة الزوجية، حيث تعد هذه المشاعر ضرورية لتحقيق التوافق والاستقرار بين الزوجين. علاوة على ذلك، يمكننا مقارنة هذا بقصة النبي يوسف وزليخا، التي تعكس جانبًا من العلاقات العاطفية. في هذه القصة، نرى شغف زليخا بيوسف في قوله تعالى: "قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا" (يوسف: 30)؛ وهو شغف يتجاوز الحدود الشرعية المحددة للعلاقات الزوجية في الإسلام، مما يعلمنا أن الحب بمفرده قد لا يكفي لبناء علاقة زوجية صحية ومستقرة. الحب يحتاج إلى أن يُعزز بالمودة والرحمة، التي تشمل الرعاية والاحترام والدعم المتبادل.
بهذه الطريقة تعتبر التوجيهات الإسلامية في التربية الجنسية جزءًا أساسيًا من النهج الشامل للإسلام في تنظيم حياة الإنسان وتحقيق الاستقرار والسعادة الأسرية والاجتماعية.
الخلاصة والنتائج:
في نهاية هذا المقال، يمكننا الاستنتاج إلى أن التعامل مع موضوع الجنس في الإسلام يتم بشكل واقعي ومتزن، حيث يعترف الإسلام بالجوانب الشهوانية والجنسية في الإنسان، وفي الوقت نفسه يقدم الإرشادات والتوجيهات لتنظيم هذه الجوانب بطريقة تتفق مع القيم والمبادئ الإسلامية، ففي الإسلام تُعتبر الحياة الجنسية جزءًا مهمًا من الحياة الزوجية ويُشجع على تحقيق الرضا والسعادة بين الزوجين من خلال الاحترام المتبادل والتوازن في التعبير عن الحب والعطاء، ويمكن عرض أهم النتائج التي توصلنا إليها على النحو التالي:
1- تحث الأحكام الإسلامية على الحب والرعاية للأولاد وتشجع على تكوين الأسرة، كما تعتبر التعدد حلاً في بعض الحالات لمشاكل الزوجة الأولى التي قد تعجز عن تلبية جميع احتياجات الزوج.
2- من خلال تحريم الخلوة بالمرأة الأجنبية، يظهر الإسلام حرصه على حماية الأخلاق والعفة، وتجنب الوقوع في المحرمات والفواحش.
3- يشجع الإسلام على ممارسة العلاقة الجنسية بين الزوجين داخل إطار الزواج الشرعي، وينصح بالابتعاد عن السلوكيات الغير مشروعة أو المؤذية.
4- يؤكد الإسلام على تحمل الرجل والمرأة دورهما ومسؤولياتهما في الحياة الزوجية والأسرية بشكل إيجابي ومسؤول، مما يساهم في بناء مجتمع متوازن ومستقر.
بالاستفادة من هذه المبادئ وتطبيقها في الحياة الزوجية، يمكن للأزواج الإسلاميين أن يحققوا الرضا والسعادة في حياتهم الجنسية، وبالتالي إثراء حياتهم الزوجية بشكل إيجابي داخل الإطار الإسلامي.
_____________________
([1]) أنيس، إبراهيم وآخرون، المعجم الوسيط، اسطنبول، دار الدعوة، ط ۲، ۱۹۷۲م، ج ۱، ص ١٤٠.
([2]) القيسي، مروان، الإسلام والمسألة الجنسية، ط1، ١٩٨٥م، ص ١٩.
([3]) الكرمي، حسن سعيد، الهادي إلى لغة العرب، بيروت، ط1، ۱۹۹۱م، ج۱ ص ٣٧٥.
([4]) قطب، محمد، منهج التربية الإسلامية، دار الشروق، ط ۲، ج ۲، ص ٢١٤.
([5]) قطب، محمد، الإنسان بين المادية والإسلام، دار شروق، ط1، ۱۹۸۲، ص ١٦٥.
([6]) السمالوطي، نبيل، الدين والبناء الاجتماعي، بيروت، دار الشروق، ط ۲، ۱۹۸۱، ص ۱۹۹.
([7]) السمالوطي، نبيل، الدين والبناء الاجتماعي، ص 22.
([8]) السيوطي، عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين، صحيح وضعيف الجامع الصغير وزيادته، تحقيق وحكم محمد ناصر الدين الألباني، ص 4311. رواه الترمذي في السنن، كتاب الفتن عن رسول الله، باب ما جاء في لزوم الجماعة، حدیث ۲۰۹۱، قال أبو عيسى حديث حسن صحيح، وقال الألباني صحيح.
([9]) الكيلاني، ابراهيم زيد، وعبد الرحيم، همام، وذياب، صالح، دراسات في الفكر العربي الإسلامي، عمان، دار الفكر، ط1، ۱۹۸۸م، ص ۲۳۲.