أوروبا المتحررة.. كيف كانت، وكيف أثّر الإسلام فيها؟ ( بحث في التأثير الإسلامي على الغرب )



لقد انطلق المسلمون من قرآنهم الذي يقول: "مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ"

"فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ"

ومن نبيهم الذي يوجههم: "لا يَغرس مسلم غرسًا، ولا يزرع زرعًا فيأكل منه إنسان ولا دابة ولا شيء إلا كانت له صدقة"

انطلقوا في الأرض مُضحين بالغالي والنفيس لأجل الناس ومنافعهم، وإنك لتدرك هذا من الوهلة الأولى لو درست التاريخ في عصر النبوة وما بعده من عصور أئمة الرشاد ومن بعدهم من المهتدين.. وليست هي حالة زمنية فردية كانت وانتهت!؛ إنما هي نتيجة محققة بتحقق الأسباب الكامنة في التطبيق الإسلامي في حياة الأفراد .

إذا علمت هذا؛ علمت أن تمدن الحضارة الأوروبية حديثًا وتطورها الباهر في شتى المجالات والفنون؛ هذا الرُقي الظاهر ليس من اختراع العقل الأوروبي الخالص ، كما أن الغرب ليس هو الذي ابتدع وابتكر الازدهار الإنساني العام في هذه الحياة.

 ولأجل هذا، ومن أجل ألا يُقال: إن الغرب صاحب الفضل الأمثل على الإنسانيّة جمعاء بعقليته وجهوده المبهرة.

 فإننا نقف هنا في هذا البحث مع مثال واحد من أمثلة الحضارة الإسلامية؛ موضحين إسهامات المسلمين العرب في قيام هذه الحضارة الحديثة وفي صناعة هذا الرُقي والتمدن، ومنهجنا في بحثنا هذا هو منهج موضوعي مُنصف؛ كما كان مذهب كبار المستشرقين الغربيين المُنصفين أمثال "مونتجمري وات" و "غوستاف لوبون" و "زيغريد هونكه" وغيرهم من العلماء الأفاضل الذين أعطوا كل ذي حق حقه، ونسبوا لكل مالك فكره وآراءه واجتهاداته وعطاياه في هذه الحياة.

وأيضًا لنوضح التزييف الخفي الذي ينتهجه البعض في الترويج لكل شيء غربي من منطلق "سيادة الغالب".

ولأجل الحقيقة التاريخية التي يُحاولون طمسها؛ والتي تقرر بجلاء واضح حُسن الطبيعة الإسلامية في المجتمع والحياة، كان هذا البحث موضحًا التمدن الإسلامي الحضاري عندما حكم الدولة وقاد الناس؛ بل إنه أثّر في كل الأمم حتى دخله الناس أفواجًا .

فلو صح أن يُـــقال على التطور المادي في الغرب حـــضارة ؛ فــالحق أن الإسلام عندما حكم أوجد حضارة وصنع نهضة مادية عظيمة كبيرة, وزاد عليها بـــ" الرُقــي الأخلاقي " الذي تفقدة دول الغرب المتطورة الآن , والأندلس مثال على ذلك.

ويشهد "ويليام ويلكوكس" مهندس الري الكبير في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي وأوائل القرن العشرين شهادة حق حين يقول: "إن عمل الخلفاء المسلمين في ري العراق في الأيام الماضية يشبه أعمال الري في مصر والولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا في هذا العصر".

فليس الاستحداث من المادة أشياء لم تستحدث من قبل ولم يعرف الناس مثلها.. ليس هذا دليلا على التقدم، إنما التقدم الحقيقي في تسخير هذه المصنوعات والابتكارات في الارتقاء بالبشرية، والاستعلاء بالقيمة الإنسانية، وخدمة الإنسان وتلبية احتياجاته ومستلزماته.

 فليست طائرة من أحدث الطائرات بها إمكانيات لم تكن في غيرها.. ليست هذه الطائرة علامة على الحضارة والتقدم إلا إذا خدمة الإنسان ولم تقتله!. فمن حارب الإنسان وأهان الإنسانية فـــهو في جاهلية وإن تقدم في المادية!

هذه الحقيقة التي لطالما لم تغب عن ذوي الخبرة والعلم، والتي لم تكن العصبية الغربية لتمنعها عن المُنصفين من أبنائها؛ حتى رأينا الابن الغربي الكبير مونتجموري وات يعترف بفضل الإسلام والمسلمين فيقول: "إننا -معشر الأوروبيين- نأبى في عناد أن نُقِرَّ بفضل الإسلام الحضاري علينا، ونميل أحيانًا إلى التهوين من قدر وأهمية التأثير الإسلامي في تراثنا، بل ونتجاهل هذا التأثير أحيانًا تجاهلاً تامًّا، والواجب علينا من أجل إرساء دعائم علاقات أفضل مع العرب والمسلمين، أن نعترف اعترافًا كاملاً بهذا الفضل، أمَّا إنكاره أو إخفاء معالمه فلا يدل إلا على كبرياء زائف".

إنك قد تسمع قائل يقول: "الإسلام دين التخلف والرجعيّة. المسلمون أهل الجمود والتحجّر!"

كثيرًا ما نسمع أمثال هذه الكلمات في زماننا هذا، بأي حق قيلت؟ وبأي منهج صيغت؟ لا نعلم!

قد يُقال: إن هذا قياسًا على أوضاع المسلمين وظروفهم.

لكن هل وضع المسلمين الحالي وضع مقصود منهم؟ هل يمثل هذا الفساد التي تغرق فيه المجتمعات المسلمة؛ عقيدة المسلمين ودينهم؟

إن هذا الإفساد؛ ولا أقول الفساد، من الخطط الموضوعة لتدمير بلادنا العربية والإسلامية، من قبل أُناس درسوا تاريخ الإسلام وعلموا طبيعته المؤثرة في الحياة تأثيرًا إيجابيًا عظيمًا.

هل "العلمانية" فعلًا هي الطريق للتحرر من الأغلال الدينية والاستبدادية كما يتغنى الغرب؟ وهل ترك الغرب المجال للعلمانية فعلًا كما يقولون ونبذ الدين ؟

وكيف ظهرت فكرة "العلمانية" ، ومن أي وضع خرجت؟

وهل فعلًا النماذج الدينية المشرفة أمثال عمر بن الخطاب أمثلة لن تتكرر ؟

لقد كانت ولا تزال العقلية "التابعة" للغرب تنادي برفع كل شيء يتعلق بالدين؛ حتى لو أن له وجهة دينية من بعيد!

وهذا ما نتناوله في هذا البحث مُحاولين إظهار الحقيقة التاريخية للناس، وبيان أن الإسلام الذي يُحاربونه في مشارق الأرض ومغاربها قادر (كما كان من قبل) وسيظل على القيادة العادلة وصياغة الحياة كلها وفق منهج العدالة المطلقة التي لا تُحابي أحد على أحد مهما كان دينه أو عرقه أو نسبه!



1 تعليقات

تعليق:

أحدث أقدم

نموذج الاتصال